تعاني سوريا من شح الكوادر الطبية في العديد من الاختصاصات الحيوية، وخاصة في مجال التخدير، بفعل هجرة الكثير من الأطباء للخارج، وعزوف طلبة الطب عن التخصص في مجالات طبية صعبة كالتخدير، ما بات يهدد قطاع الرعاية الصحية بشكل غير مسبوق.
وتعاني سوريا أصلا من جراء تراكمات مفاعيل سنوات الأزمة، وما خلفته من دمار في شتى القطاعات الحيوية في البلاد وعلى رأسها القطاع الصحي.
وكشفت نقابة الأطباء السوريين على لسان نائب النقيب، غسان فندي، عن أن الرغبة لدى الأطباء في الاختصاص بأمور التجميل، طغت على أي اختصاص آخر، مشيرا إلى أنه يوجد العديد حاليا من الاختصاصات النادرة في سوريا منها التخدير والصدرية والجراحة الصدرية وأطباء العصبية والجراحة العصبية، رغم أنها تلقى رواجا هائلا في الغرب والدول المجاورة.
وفي تصريحات لوسائل إعلام محلية أوضح نائب نقيب أطباء سوريا، أنه خلال السنتين الأخيرتين تخرج أطباء مختصون في التجميل، أضعاف عدد الأطباء المختصين بالاختصاصات النادرة.
ولفت فندي إلى أن عدد الذين اختصوا في مجال طب التخدير على سبيل المثال خلال السنوات العشر الأخيرة في سوريا، في كل مشفى لا يتجاوز أصابع اليد في كل عام، وبالتالي فإن ناقوس الخطر دق منذ سنوات حول استنزاف أعداد أطباء التخدير.
وللحديث حول خلفيات هذا التباين الحاد بين عدد الأطباء عبر وفرتهم في اختصاص وشحتهم في اختصاص آخر، يقول أحمد نزار، مؤسس منصة الصحة السورية، في حوار مع "سكاي نيوز عربية": "هناك عدة تفاصيل واعتبارات يأخذها الطبيب بالحسبان عند اختياره لاختصاصه، كالجانب العملي والمادي، حيث تتميز رحلة الطب بأنها رحلة طويلة للغاية، لا يقطف الطبيب عادة ثمارها إلا بعد عمر الأربعين، وهي رحلة طويلة وقاسية بما يتخللها من ظروف وصعوبات وحالات إسعافية تخطف الأنفاس، ويقضي الطبيب أياما دون نوم إلا لمامًا، بسبب ضغط العمل وما يعايشه من حالات مرضية صعبة".
ويضيف أحمد نزار: "ولذلك، فإن الطبيب يريد أن ينال شيئا مجزيا بعد كل هذه السنوات المريرة، وعندها يتوجه لاختيار اختصاص يكافئ تعبه ماديا، ويؤهله لضمان حياة أفضل لعائلته وأطفاله."
وتابع مؤسس منصة الصحة السورية بالقول: "يود الطبيب أن يكافئ نفسه بعد مرور سنوات الاختصاص الصعبة، باختصاص أكثر راحة وأقل ضغطا، يؤمن له الهدوء الفكري والنفسي، وهذا ما قد يجده البعض بالاختصاص التجميلي، ويفتقده أطباء الداخلية الذين غالبا ما يسهرون لياليهم مع المرضى في ممرات المشافي وغرف العناية المشددة."
ويمضي أحمد نزار في شرح أسباب تزايد إقبال الأطباء السوريين على التخصص التجميلي، بالقول: ”ناهيك عن السعادة بالاختصاص والشغف به، فإن الجراحة التجميلية بشقيها التجميلي والترميمي، غالبا ما تنتهي بنتائج تجعل المريض والطبيب سعيدين، كونها نتائج ظاهرة وسريعة"، مضيفا: "لكن طبيب الداخلية (الباطنية) فإنه يبذل وقتا طويلا لمتابعة المرضى، الذين قد تطول حالتهم المرضية، وهم بحاجة لمتابعة دقيقة ومستمرة وحثيثة أكثر من غيره".
ويرى مؤسس منصة الصحة السورية أن: "الاختصاصات الطبية جميعها مهمة على حد سواء، ولا يجوز الإخلال بالتوازن بينها، أو عزوف الأطباء عن أحدها، الأمر الذي قد ينتهي بأعداد كبيرة من المرضى، ممن لا يجدون من يعالجهم وهذا يخلق مشكلة كبيرة إنسانيا وأخلاقيا".
فمثلا عدد أطباء التخدير في سوريا لا يغطي ثلث ما هو مطلوب، كما يكشف نزار، متابعا: "يوجد 500 طبيب تخدير في سوريا في الوقت الذي نحتاج فيه لأكثر من 1500 طبيب بالحد الأدنى، وما يزيد الطين بلة، أنهم أطباء مخضرمين بأعمار كبيرة، باتوا على عتبة سن التقاعد، فلا يوجد بينهم من هم تحت سن الثلاثين عاما إلا 3 أطباء فقط، مما يدل على مدى فداحة الأزمة".