وضعت وزارة التعليم في المغرب، مؤخرا، شرطا مثيرا للجدل، أمام من يرغبون في الترشح للعمل في التدريس، وذلك بعدما أضحوا مطالبين بألا يتجاوزوا ثلاثين عاما، وهو ما قوبل برفض وانتقادات في الشارع.
محمد، مثلا، وهو شابٌ مغربي في الثانية والثلاثين حصل على شهادة جامعية في الآداب، كان يستعد لتقديم ملف ترشيحه حتى يجتاز مباراة المدرسين في المغرب، ثم جاء الشرط المفاجئ.
وأصبح محمد يواجه الإقصاء من اجتياز الاختبار، بعدما جرى خفض الحد الأقصى لسن المترشح إلى 30 عاما، بدلا من 40 عاما الذي كان معمولا به في السابق.
ويعد محمد واحدا، من بين آلاف الشباب المغاربة الذين صدموا بالقرار الذي أعلنه وزير التعليم، عشية فتح باب الترشيحات لمباراة المدرسين، والتي ستقام في ديسمبر المقبل.
ويرتقب أن يتم خلال هذه المباراة توظيف 15 ألف مدرسا، من بين 300 ألف من المرتقب أن يجتازوا الاختبارات.
ونصت الشروط الجديدة لقبول ملف الترشيح لتوظيف من يعرفون بأساتذة التعاقد أو "أطر الأكاديميات الجهوية للتربية"، استعدادا للدخول التربوي الجديد، على تحديد السن الأقصى لاجتياز المباريات في ثلاثين عاما.
كما نصت الشروط الجديدة أيضا على العودة إلى نظام الانتقاء الذي يستند إلى الميزة أي العلامات التي حصل عليها المترشح في شهادتي البكالوريا والإجازة الجامعية.
ويحدد قانون التوظيف في المغرب، سن الدخول إلى الوظيفة العمومية بين 18 و40 عاما، وقد يصل في بعض الحالات إلى 45 عاما.
جدل قانوني ودستوري
ويقول الرافضون إن هذه الشروط تشكل خرقا لما ينص عليه القانون والدستور، كما أنها تخالف ما جاء به النظام الأساسي لـ"أطر الأكاديميات".
وقد نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي لـ"أطر الأكاديميات"، ضمن الشروط، على أن لا يقل سن المترشح عن 18 سنة ولا يزيد عن 40 سنة، ويرفع الحد الأقصى لسن التوظيف إلى 45 سنة في بعض الحالات.
وقد أثار خفض سن التوظيف في التعليم مع إعادة الانتقاء، موجة رفض عارمة وغليانا في أوساط الشباب الراغبين في الالتحاق بمجال التدريس.
ولا يتمكن 40 في المئة من خريجي الجامعات من الحصول على وظائف نظرا لقلة المناصب المخصصة للتوظيف سنويا، وتنص الموازنة الجديدة على إحداث أزيد من 26 ألفا و800 مائة منصب مالي.
ومباشرة بعد إعلان القرارات الجديدة، انطلقت، مساء الجمعة، مظاهرة طلابية بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، وسط البلاد، بمشاركة عشرات الطلاب.
كما نظمت، السبت، مسيرات بعدد من المدن شارك فيها الطلاب وحاملو الشهادات من العاطلين عن العمل، ومن المنتظر أن تخرج مظاهرات جديدة، يوم الأحد.
في المقابل، تعتبر الوزارة الوصية، أن تشديد شروط انتقاء المدرسين يدخل في صلب إصلاح منظومة التدريس.
ويقف خلف هذا القرار، وزير التعليم، شكيب بنموسى، وهو مسؤول شغل عدة مناصب هامة في المغرب، كان آخرها رئاسة لجنة النموذج التنموي، التي كلفت بمهمة صياغة خارطة طريق لمغرب جديد.
ويراهن المغرب منذ سنوات طويلة على النهوض بقطاع التعليم الذي يعاني من اختلالات عديدة، غير أن السياسيات التي تمت صياغتها منذ عقود، لم تتمكن من بلوغ مدرسة حكومية في مستوى التطلعات وإخراج القطاع من الأزمة.
"شروط تعجيزية"
في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، يعتبر الشاب محمد (32 سنة)، أنه تعرض "لإقصاء مجحف" من طرف وزارة التربية الوطنية التي وضعت بشرط تحديد السن، نهاية لحلمه بأن يصبح مدرسا.
ويوضح خريج جامعة ابن طفيل بمدينة القنيطرة (غرب)، أن الحظ لم يحالفه في الاختبارات التي اجتازها في السنوات الماضية، لكنه كان مصرا على تكرار المحاولة إلى أن يتمكن من اجتياز الاختبار بنجاح.
وإن كان عائق السن منع محمد من تحقيق حلمه بالحصول على وظيفة مدرس، فإنأيوب ورغم استيفاءه شرط السن، إلا أنه يواجه نفس المصير.
ويوضح أيوب (24 سنة) في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه لن يتمكن من تقديم ملف ترشيحه لعدم توفره على شهادة جامعية بميزة تؤهله لذلك.
ودفعت الشروط التي وصفت بـ"التعجيزية" بالشباب الحاصلين على شهادات والعاطلين عن العمل، إلى الخروج في مظاهرات احتجاجية بعدد من مناطق المغرب، ومعظم هؤلاء الشباب ينتمون لما يسمى بـ"الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين" بالمغرب، والتي تضم خمسين فرعا على الصعيد المغربي.
ومباشرة بعد صدور قرار وزير التعليم، أصدرت الجمعية بلاغا ضمنته مجموعة من المطالب على رأسها إلغاء الشروط الجديدة، وهددت بالتصعيد، عبر اللجوء إلى الشارع، في حال عدم التجاوب مع مطالبها.
ويكشف محمد غلوط الكاتب العام للجمعية، أن الأخيرة تطالب بالإلغاء الفوري لهذه الشروط وفتح مباراة التدريس في وجه الجميع دون قيد أو شرط في إطار ما تضمنه الوظيفة العمومية.
وفي حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أوضح غلوط أن "جمعية المعطلين" تطالب كذلك بالإدماج المباشر في الوظيفة العمومية وإسقاط العمل بنظام التعاقد.
ويقصد المتحدث بنظام التعاقد، المدرسين الذين يشتغلون في القطاع بموجد عقود مؤقتة بدل التوظيف المباشر والدائم، ويعد من أبرز الملفات الشائكة التي خلفتها حكومة العدالة والتنمية.
النقابات ضد القرار
وجاء قرار وزارة التربية الوطنية الجديد، فيما استأنف الوزير الوصي على القطاع شكيب بنموسى، جلسات الحوار الاجتماعي مع نقابات التعليم بعدما جمدت تلك الجلسات في عهد الحكومة السابقة.
وبينما رحبت النقابات بأجواء جولات الحوار، جاء ما يعكر صفو هذه الأجواء، حيث اعتبرت النقابات أن شرط خفض السن على وجه الخصوص، يتعارض مع قانون التوظيف ويضرب في الصميم حقا يكفله الدستور وهو الشغل.
وفي هذا الإطار، يرى محمد خفيفي، نائب الكاتب العام للجامعة الوطنية للتعليم، أن خطوة الوزارة الوصية، مفاجئة وتتعارض مع ما جاء به برنامج الحكومة الجديدة الذي يجعل من التشغيل أولوية لخفض نسبة البطالة في المغرب.
وسجلت نسبة البطالة في النصف الثاني من هذا العام 12.8 في المئة، حسب المندوبية السامية للتخطيط وهي مؤسسة حكومية معنية بالإحصاءات.
وفي تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية"، يؤكد المسؤول بالمؤسسة التابعة للاتحاد المغربي للشغل، أكبر نقابة في المغرب، أن القرار كان متسرعا وقاسيا بالنسبة للشباب الذين تجاوزوا 30 عاما، مشددا على ضرورة الإبقاء على ما ينص عليه قانون الوظيفة العمومية.
وطالب خفيفي بالتراجع عن هذه الشروط، التي ستقف "عائقا" أمام عدد من الشباب من أجل الحصول على وظيفة في مجال التعليم، معتبرا أنه لا يمكن ربط تحسين جودة التعليم بخفض سن المدرسين.
بداية الإصلاح الحقيقي
وفي ردها على الجدل الكبير الذي خلقته الشروط الجديدة للتقدم لمباراة التدريس، أعلنت وزارة التربية الوطنية في بلاغ لها، أن الخطوة تتماشى مع الإصلاح الذي يهدف إلى "النهضة التربوية المنشودة".
وأكدت الوزارة أن مباريات التعليم المبرمجة هذه السنة تندرج في صلب سياسة الارتقاء بالمنظومة التعليمية، والتي جعلها النموذج التنموي الجديد للمملكة والبرنامج الحكومي في صدارة الأوليات.
وتعليقا على تحديد السن الأقصى لاجتياز المباريات في 30 سنة، أكدت الوزارة أن الهدف من ذلك هو استقطاب شباب متميز ويتمتع بالكفاءة، حيث إن الولوج الباكر إلى المهنة سيمكن من الاستثمار في تدريب المدرسين بشكل أفضل.
وفي تصريحات صحفية، أكد وزير التربية الوطنية، شكيب بنموسى، أنه لن يتم التراجع عن أي من الشروط الجديدة والتي قال إنها تساهم في بناء مستقبل التعليم وبداية الإصلاح الحقيقي.
وكان الوزير قد شدد في السابق، على أن جل المجهودات تنكب حاليا على بلوغ مدرسة عمومية ذات جودة، تضمن تعلم التلاميذ وتنمية قدراتهم وارتقائهم الاجتماعي.