مع التطورات المفاجئة في العراق، ومنها محاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وعودة الميليشيات التابعة لإيران إلى مربع العنف، بات أمر انسحاب القوات الأميركية من هناك أمرا مشكوكا فيه.
ويتوقع خبيران في حديثهما لموقع "سكاي نيوز عربية" أن واشنطن لديها استراتيجية مغايرة لمفهوم الانسحاب التقليدي الذي نفذته في أفغانستان، لأن استقرار العراق من أولويات واشنطن لحماية مصالحها في الشرق الأوسط، خاصة مع ضبابية نتائج المفاوضات مع إيران حول الملف النووي.
والسبت، أكد قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط، جريجوري إم جويلوت، في تصريحات صحفية أن الطيارين الأميركيين سيستمرون في التمركز بالمنطقة، رغم الاهتمام الذي توليه واشنطن لملفاتها مع الصين وروسيا.
وقبل أيام، أعلن المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة بالعراق، تحسين الخفاجي، اتخاذ بلاده خطوات لإنهاء تواجد القوات القتالية للتحالف الدولي في نهاية ديسمبر، مشيرا إلى إجلاء أكثر من 2100 شحنة من المعدات العسكرية للتحالف.
غير أنه أكد التزام الطرفين بالشراكة، حيث سيدعم التحالف القوات العراقية في حربها ضد تنظيم داعش الإرهابي، ونقل التحالف أكثر من 1800 معدة ما بين عربات ومدرعات ورافعات وصهاريج وغيرها من ملكيته إلى الجيش العراقي.
وهذا التعاون جاء بموجب اتفاق بين الكاظمي والرئيس الأميركي جو بايدن في الحوار الاستراتيجي بين البلدين في يوليو الماضي، لإنهاء المهام القتالية للقوات الأميركية، مع اعتبار القواعد العسكرية الأميركية بالعراق قواعد عراقية تعمل وفقا للقانون العراقي ومخصصة للمساعدة في الحرب على داعش.
نوع الانسحاب
يقول أستاذ الإعلام الدولي بالجامعة العراقية، فاضل البدراني، إن تلميحات مسؤولين أميركيين بوقوف القوى الخاسرة في الانتخابات التشريعية (أكثرها تابع لإيران)، وراء محاولة اغتيال الكاظمي، تعني نية أميركية للبقاء تحت أي مسمى، لكون هذه القوى هي المتحكم في الكثير من شؤون العراق.
ولذا، يقدِّر البدراني أن البقاء الأميركي سيستمر ممثلا في الدعم اللوجستي والاستخباراتي والتدريبي.
تكتيك جديد
ويلفت العميد سمير راغب، الخبير الاستراتيجي، إلى أمر آخر يدفع واشنطن للتأني، وهو مفاوضات فيينا المنتظر أن تستأنفها مع إيران الشهر الجاري، وإمكانية أن تستغل الأخيرة ضرب استقرار العراق كورقة ضغط على المائدة.
أما عن شكل الوجود الأميركي في العراق مستقبلا فيشير إلى "تغير مهام القوات من دون خفض عددها عن 2500 جندي، وانتقال التدريب من الميدان إلى القواعد العسكرية، مع تحول العناصر القتالية إلى مدربين ومستشارين، واعتماد أميركا على المتقاعدين العسكريين لتقليل خسائر جيشها، مع توزيع القوات في مناطق متفرقة منعا للاستهداف بالطائرات المسيرة".
وضمن المهام الأميركية سيكون رفع كفاءة القوات العراقية، وتزويدها بمقاتلات إف-16، والتعاون الاستخباراتي في تأمين الحدود، وفقا لراغب.
وتعود فكرة الانسحاب إلى عهد الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، على أن يكون تدريجيا حتى عام 2009، غير أن حرب داعش دفعها للبقاء.
وعقب إعلان هزيمة داعش 2017، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خفض العدد إلى 2500 جندي داخل القواعد العسكرية.
الدعم السياسي
ويستمر الدعم الأميركي للكاظمي، فقد أعلن بايدن إصدار تعليمات لفريق الأمن القومي الخاص به بتقديم المساعدة للعراق في تحقيقات محاولة الاغتيال.
ويصف راغب الموقف الأميركي بـ"النضوج السياسي" لدعم المكونات الوطنية العراقية من دون الانحياز لمكون على حساب آخر، تجنبا لسقوط العراق في فراغ جديد ومنعا لانفراد المليشيات بالمشهد.