بمحاولة استهداف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عبرها، تكون الطائرات المسيرة قد أضافت فاعلية جديدة إلى أدوارها السابقة في الحياة العامة العراقية، بعدما ظلت طوال السنتين الماضيتين تستهدف العديد من القواعد العسكرية والمطارات المدنية والقنصليات الأجنبية داخل العراق، بغرض تحقيق مرامي سياسية للجهات المنفذة.
وبهذا المعنى، فأن المسيرات وإمكانية استخدامها، ستتحول إلى عامل رئيسي ضمن حسابات القوى السياسية العراقية، وفي التوازن بينها وطريقة تعاطيها.
بالرغم من أن تاريخ صناعة واستخدام الطائرات المسيرة يعود إلى عشرات السنوات، إلا أن استخدامها لأغراض غير مدنية داخل العراق يعود فقط إلى مرحلة الحرب ضد تنظيم داعش (2014-2018)، حيث استخدمها الجيش العراقي، وبدعم لوجستي من قوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، كانت ينفذ عبرها مهمات المراقبة والتجسس في المدن والمناطق المحتلة.
لكن بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش مباشرة، صارت تلك الطائرات تستخدم ضد القواعد العسكرية التي كانت تتمركز فيها قوات التحالف الدولي التي كانت تساند الجيش العراقي.
الباحث العراقي جواد الشيخ فاضل كشف في حديث مع سكاي نيوز عربية كيف أن المسيرات المستخدمة في العراق طرأ عليها تحولين رئيسيين خلال السنوات الثلاثة الماضية، الأمر الذي مكانها من أن تكون سلاحاً عسكرياً فتاكاً.
وقال فاضل: "كان ملاحظاً بوضوح بالنسبة للمتابعين كيف أن المسيرات التي صارت تستخدم بعد العام 2019 في استهداف القواعد العسكرية لا تتشابه أبداً في بنيتها مع تلك التي كانت بحوزة الجيش العراقي وحتى فصائل الحشد الشعبي أثناء عمليات المراقبة والتجسس خلال الحرب على داعش. وقد كان واضحاً أن تطوراً عسكرياً وتقنياً طرأ على المسيرات المستخدمة من قِبل الفصائل التي تسمي نفسها (المقاومة)، وأن دولة ما تعطي دعماً لوجستياً مباشراً من دولة ذات إمكانية عسكرية، هي إيران في الحالة العراقية".
وأضاف الشيخ فاضل في حديثه مع سكاي نيوز عربية: "منذ أواسط العام 2020، صارت تلك المسيرات تستهدف المراكز والمناطق المدنية، والبعيدة لعشرات الكيلومترات عن مناطق اطلاقها، مثل مطار أربيل الدولي".
وأردف: "وبالتالي، فإن تحولاً آخر طرأ على تلك المسيرات، التي صارت تستخدم تقنيات رادارية وكميات من الذخيرة المفخخة، تفوق ما استهدفته تلك المسيرات من قواعد عسكرية موجودة في مناطق سيطرة الفرق التي تستخدم تلك المسيرات. وتالياً صارت المسيرات بمثابة سلاح استراتيجي وذو فاعلية سياسية بالنسبة للجهات المستخدمة لها".
في أوائل العام 2020، تم استهداف قائد فيلق القدس قاسم سليماني والقيادي في الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، عبر استخدام طائرات مسيرة قصفت موكبهما الخارج من مطار بغداد المدني. وهو الحدث الذي فتح التكهنات بإمكانية أن تمنح الولايات المتحدة وغيرها من القوى الفاعلة في العراق الطريق أمام منح المسيرات لحلفائها داخل العراق، لتستخدمها في مناهضة القوى العراقية الموالية لإيران.
الباحث الأمني العراقي شيروان كسنزاني أوضح في حديث مع سكاي نيوز عربية تأثيرات ذلك التوسع في استخدام المسيرات على الأوضاع الداخلية في العراق.
وقال كسنزاني "صحيح أن الولايات المتحدة وغيرها من الأطراف الفاعلة في الملف العراقي لم تفتح المجال أمام مواجهة عسكرية مفتوحة عبر الطائرات المسيرة في العراق، بالرغم من تفوقها التقني والعسكري في ذلك المجال، وذلك بغية منع حدوث أي شكل من الفوضى. لكن ليس ثمة من أية ضمانات من إمكانية استمرار ذلك الضبط فيما لو صارت هذه المسيرات تستهدف شخصيات ومؤسسات سياسية عراقية".
وأضاف كسنزاني قائلاً "كل الجهات السياسية العراقية الرئيسية تملك أجنحة مسلحة، وكميات هائلة من الأموال، ودون شك تستطيع الحصول على تقنيات عسكرية مثل الطائرات المسيرة، التي يمكن استخدامها ضد قوى سياسية أخرى، غير المحصنة بشكل كاف، ويمكن أن يغرق العراق في بحر من (ثأر الجميع من الجميع)".