ستُحدث محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تحولاً في المشهد السياسي والأمني العراقي.
لأنها الأولى من نوعها، من حيث استهدافها لرأس السُلطة التنفيذية والعسكرية في البلاد، منذ اغتيال رئيس مجلس الحُكم العراقي عز الدين سليم، في مايو 2004، حينما كان العراق في ذروة الفوضى والصراع السياسي وقتئذ. كذلك لأن الجهة المُشتبه بها موضوعياً أنما هي واحدة من القوى المُشاركة في العملية السياسية في البلاد، ومرتبطة بمؤسسات الدولة، وليست تنظيماً إرهابياً خارجاً عن القانون.
التوقعات الأولية تذهب إلى أن الاغتيال السياسي سيتكثف خلال الفترة القادمة، لأنه طالما كان ذا جرأة وإمكانية للوصول إلى رئيس الوزراء نفسه، الذي يشغل أعلى منصب سياسي وتنفيذي في البلاد، ويُقيم في أكثر مناطق البلاد تحصيناً وحماية، فإن الجهة الفاعلة سوف تسعى لاستهداف المزيد من القادة السياسيين، وربما الأمنيين والعسكريين، في البلاد، بُغية تحقيق أهداف سياسية، وإجبار المناهضين السياسيين لهم على اتخاذ مجموعة من الأفعال والقرارات السياسية.
الكاتب والباحث العراقي سربست أردلان أوضح، في حديث مع سكاي نيوز عربية، التأثيرات التفصيلية لعودة الاغتيال السياسي إلى العراق، وقال "مبدئياً، حينما تعود محاولات الاغتيال السياسي إلى العراق، بالذات إلى الشخصيات النافذة في البلاد، فهذا يعني أن العراق أنما وصل لذروة أمرين مترابطين: من جهة ذروة الاختناق السياسي الذي صار يُستحال حله عبر الحوار والتوافق، والامر الثاني هو وجود قوة سياسية وأمنية على الأرض، وذات استطالات وشبكات أمنية، تستطيع أن تصل بعنفها إلى كُل شيء، حتى لأكثر شخصيات البلاد تحصيناً، أي السياسيين. والأمران معاً يعنيان أن هذا الأوضاع الداخلية في هذا البلاد أنما وصلت لدرجة الاهتراء السياسي والأمني".
وأضاف أردلان: "لو افترضنا مثلاً أن هذه العملية التي جرت فجر قد وصلت لمآربها، فأي وضع سياسي وأمني حرج كان سيدخله العراق، وكيف كانت الفوضى سوف تنتشر في جميع مفاصل الدولة، بالذات بين القوى العسكرية والأمنية. كذلك لو افترضنا أن هذه المحاولة لم تستهدف رئيس الوزراء الملتزم بالقانون والأطر الرسمية للتحقيق والمتابعة والمحاكمة، بل طالت زعيماً سياسياً ذو حضور وكاريزما على القواعد الجماهيرية الموالية له، والتي ربما كانت تتصرف في الشارع دون تقييد أو ثقة بالقوانين والأجهزة الأمنية، فأي صدام أهلي وشعبي وسياسي في الشارع كان يُمكن توقعه في العراق!!".
الأوضاع السياسية في العراق كانت قد شهدت خلال الأسابيع الماضية انقساماً وشرخاً شاقولياً بين جهتين: الأولى، القوى السياسية التي فازت في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بالذات التيار الصدري بقيادة مُقتدى الصدر والحزب الديمقراطية الكُردستاني الذي يترأسه مسعود البارزاني، وحركة تقدم التي يقودها محمد الحلبوسي. فهذه القوى السياسية الثلاث كانت تطالب وتعلن التزامها بالأطر الدستورية والآليات القانونية لتشكيل الحكومة والمناصب السيادية في العراق، مُعبرة عن ميلوها لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، غير قائمة على المحاصصة.
على الدفة الأخرى، فإن القوى السياسية الممثلة لفصائل الحشد والمقربة من إيران، تلقت خسارة فادحة في الانتخابات، وعقب ذلك أعلنت عن اعتراضها على نتيجة الانتخابات، ونيتها على اتخاذ مجموعة من الإجراءات على الأرض، بما في ذلك استخدام العنف.
تعقيباً على تأثيرات محاولة الاغتيال التي طالت رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي على هذا المشهد السياسي، قالت الباحثة في مؤسسة الشرق الأوسط للدراسات فدوى حسن في حديث مع سكاي نيوز عربية: "محاولة الاغتيال هذه هي بمثابة قطيعة نهائية مع إمكانية إيجاد حلول توافقية برعاية إقليمية، مثلما حدث خلال دورتي 2014 و2018. فالخضوع لابتزاز محاولة الاغتيال والذهاب إلى تحقيق مراميها، أنما يعني أن العراق صار فعلياً خاضعاً لهيمنتها، وأنها تستطيع وسوف تسعى كُل مرة لاستخدام هذا الأسلوب لنيل أهداف سياسية، فالاغتيال السياسي سوف يتحول إلى خيارها الأول على الدوام. أم التصدي له بحزم، والسير في السياقات القانونية والدستورية، أنما يعني مواجهتها، وهو تموضع سيعني صداماً وقلاقل أمنية غير قليلة، في الشارع الذات".