في ظلال صراع سياسي حام بين الأحزاب والجهات العراقية الفائزة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لإعادة تشكيل مراكز السُلطة والحُكم في البلاد، فإن أنباء متطابقة بشأن استهداف عدد من السياسيين العراقيين "عبر مواد سامة" صارت تُغطي جزءا واسعا من المشهد العراقي.
من المُستهدفين الشخصية السياسية البارزة، ملا بختيار، عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، وأحد أبرز المُرشحين لتولي منصب رئاسة الجمهورية في العراق، إلى جانب الفائز في الانتخابات البرلمانية عن محافظة بابل ياسر الحسيني، الذي صرح بأن التسميم طاله مع كامل عائلته، وأدى لوفاة أحد أبنائه، ومعهم القائد السابق لجهاز الأمن العام في محافظة السليمانية حسن نوري، الأمر الذي يُنذر بإمكانية حدوث خضة أمنية في كامل البلاد.
مصدر سياسي مُقرب من القيادي في الاتحاد الوطني الكُردستاني ملا بختيار، قال في حديث مع "سكاي نيوز عربية" إن القيادي الكُردي نُقل لألمانيا منذ عدة أيام، بعد اكتشاف تساقط استثنائي لمناطق من فروة رأسه وحواجبه، وأن التحليلات الطبية التفصيلية أكدت أصابته بمادة سُمية معوية منذ قرابة خمسين يوماً، مضيفاً أن المزيد من الفحوصات والمتابعة تجري لتحديد طبيعة ذلك السم وكيف تلقاه، مؤكداً أن الأجهزة الأمنية الألمانية وبالتعاون مع نظيرتها في إقليم كردستان تتابع الموضوع تفصيلاً.
الأنباء المُتعلقة بتسميم القيادي الكُردي العراقي تأتي بعد قُرابة شهرين من إعلان الرئيس المُشترك لحزب الاتحاد الوطني الكُردستاني بافل طالباني عن استهدافه بالسم، عبر شخصٍ من ضمن أفراد خدمته المنزلية، متهماً ابن عمه وشريكه في رئاسة الحزب لاهور شيخ جنكي بالوقوف وراء تلك العملية، الأمر الذي رفضه هذا الأخير، مُعتبراً أن المسألة هي تسقيط سياسي فحسب، ومتوجهاً إلى المحكمة الجنائية في مدينة السُليمانية للبت في الأمر.
الأنباء التي يتم تداولها في إقليم كُردستان، تقول إن عددا آخرا من قياديي الحزب المذكور قد تم استهدافهم عبر السم، بمن فيهم قيادات أمنية بارزة، وابنة مؤسس الحزب ومسؤولة تنظيمات الخارج شهناز إبراهيم أحمد. لكن المصدر المُقرب من القيادي بختيار رفض اتهام الرئيس المُشترك للحزب لاهور شيخ جنكي بالوقوف وراء الحادثة، بالرغم من الخلاف السياسي والشخصي الشديد الذي بينه وبين عدد من قياديي الحزب، مبرزا أن المجلس الأعلى للحزب سيجتمع قريباً، وسيتم عرض كامل المُعطيات المتوفرة بهذا الشأن، وسيرفعها للقضاء.
المُرشح الفائز عن الدائرة الرابعة لمحافظة بابل العراقية ياسر الحسيني أعلن تعرضه مع أفراد عائلته لاستهداف عبر السم المخلوط بالطعام، مضيفاً أنهم جميعاً في قسم العناية المُركزة في مستشفى بابل، فيما فارق نجله الأصغر الحياة جراء ذلك.
الحسيني الذي كان أبرز الوجوه المُستقلة في محافظة بابل العراقية، المعبرة عن الحركة الاحتجاجية في العاصمة والمناطق الجنوبية من البلاد، كان قد حصل على قرابة 10 آلاف صوت انتخابية، وهو رقم اعتبره المراقبون مؤشراً على النقمة الشعبية تجاه الأحزاب السياسية المهيمنة على المشهد السياسي والأمني في تلك المناطق من البلاد، وتحجيماً لدورها في الحياة العامة في تلك المنطقة.
الباحث والكاتب العراقي شفان رسول، شرح في حديث مع "سكاي نيوز عربية" دوافع حدوث مثل هذه الأفعال في العالم السياسي العراقي، بالقول: "رغم أنه ليست هناك أنباء مؤكدة عن الجهات الفاعلة حتى الآن، لكن يُمكن القول إنه لا خطوط حمراء في سلوكيات القوى والنُخبة السياسية العراقية، وإنهم قادرون على ممارسة كُل شيء. وتنامي الأنباء عن حدوث هكذا أنماط من الاستهداف، بعد عمليات ومحاولات الاغتيال المباشرة، إنما ينتج عن عدم استقلال الأجهزة الأمنية والعسكرية في البلاد وتقديمها للمراقبة والمتابعة والحماية لمختلف السياسيين، باعتبارهم مواطنين أولاً. كذلك لأن الفاعلين يعرفون بهشاشة دور وفاعلية المؤسسة القضائية وقدرتها على مواكبة أفعال المُنفذين. هذا غير سطوة لغة العنف والإقصاء والولاء للدول الإقليمية بين أفراد هذه النُخبة السياسية".
حالة التسميم التي تعرضت لها عائلة المُرشح المُستقل الفائز ياسر الحسيني، إلى جانب حالات تسميم القياديين في حزب الاتحاد الوطني الكُردستاني، تُعيد للأذهان محاولات الاغتيال التي لاحقت المُرشحين المُستقلين للانتخابات العراقية في المناطق الجنوبية أثناء حملاتهم الانتخابية، مثل المُرشح جبار سند في محافظة البصرة والمرشحة نجاه الطائي في ديالى والمُرشح سُدير الخفاجي في بغداد.