يأتي مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بتغير المناخ في وقت تثار فيه القضية بشكل أكبر من ذي قبل، وعلى رغم عدم وجود آلية ملزمة لدول العالم التي تشهد معدلات انبعاث الغازات الدفيئة بشكل أكبر، لكن تبقى الجهود الدولية في هذا الشأن مهمة وإن كان لا يوجد التزام حقيقي من الدول.
وتبقى هذه المنتديات والمؤتمرات والتجمعات الدولية المعنية بمواجهة التغير المناخي "مهمة بشكل كبير للتوعية أكثر بهذه المشكلة وتداعياتها وآثارها التي بدأت تظهر وسوف تظهر بشكل أكبر ليس فقط كتداعيات أو آثار اقتصادية ولكن أيضاً تداعيات مرتبطة بصحة الإنسان".
هذا ما يؤكده في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" المستشار والخبير الاقتصادي كمال أمين الوصال، والذي يتحدث عن تجربتين مهمتين في منطقة الشرق الأوسط في إطار الجهود الدولية المبذولة لمكافحة التغير المناخي، وهما التجربة الإماراتية والتجربة السعودية، بالإشارة إلى أهمية مشاركة البلدين في قمة غلاسكو.
أما عن الإمارات، فيرصد المفكر الاقتصادي خطوطاً عريضة عن تجربتها "الملهمة" في المنطقة، بقوله: "هناك جهود تبذل في إطار التعامل مع هذه القضية على أكثر من محور، ويبدو الاهتمام الواسع بهذا الأمر في شتى القطاعات.. على سبيل المثال هناك عدد كبير من المشروعات كانت نابعة من مسألة مكافحة التغير المناخي ضمن أجندة التنمية المستدامة لرؤية الامارات ومنها الخطة الوطنية للتغير المناخي لدولة الامارات (2017-2050)".
وتهدف الخطة إلى إدارة انبعاثات الغازات الدفيئة على مستوى الدولة مع الحفاظ على النمو الاقتصادي المستدام للدولة وتقليل، المخاطر وتحسين القدرة على التكيف مع التغير المناخي، إضافة إلى تعزيز التنوع الاقتصادي على مستوى دولة الإمارات من خلال حلول مبتكرة بالتعاون مع القطاع الخاص.
ويشير الوصال إلى أن محورين رئيسيين، وهما سعي دولة الإمارات إلى الحد من الانبعاثات وتقليل المستوى الحالي، إضافة إلى المضي قدماً للتوسع في الاستثمارت الخاصة بالطاقة النظيفة "وهذا واضح جداً من خلال الاهتمام بمحطات الطاقة النووية السلمية، وتعتبر دولة الإمارات من الدول الرائدة في العالم العربي التي سارت في هذا الاتجاه".
الطاقة النظيفة
ويردف: "هذا واضح أيضاً من الاستثمارات الضخمة في قطاع الطاقة الشمسية"، مستدلاً بمحطة نور أبو ظبي للطاقة الشمسية، وكذا مجمع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية"، مشدداً على أن هناك خططاً إماراتية لتحفيض الانبعاثات في القطاعات كافة بنسبة أكثر من 23 بالمئة حتى العام 2030.
وبالحديث عن الاستثمارات الإماراتية في الطاقة النظيفة، يلفت المستشار الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أن تلك الاستثمارات تتجاوز أيضاً حدود الدولة، ويظهر دور الاستثمارات الخارجية ببعض المشاريع وكذا المساعدات لبعض الدول في هذا الإطار.
وينتقل الوصال بالحديث إلى نموذج ملهم آخر، وهو النموذج الذي تقدمه جهود المملكة العربية السعودية الطموحة في هذا الإطار، موضحاً أن المملكة -التي أطلقت مبادرة السعودية الخضراء هذا العام- تتبنى خططاً وبرامجاً ومبادرات مختلفة في إطار جهود مكافحة التغير المناخي.
المملكة 2030
ويلفت في معرض حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية" إلى ما تتضمنه رؤية المملكة 2030 من مستهدفات مرتبطة بتخفيض أو تقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي في الاقتصاد السعودي، والوجه نحو اقتصادي صديق للبيئة، بما يحمل في طياته الاعتماد بشكل أكبر على مصادر الطاقة النظيفة وغير الملوثة للبيئة، مع جهود خفض انبعاثات الكربون، مشيراً أيضاً إلى استثمارات السعودية في الطاقة الشمسية.
ويلفت إلى أن جهود المملكة تؤتي ثمارها وتتجسد من خلال مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر أو الأمونيا الخضراء، وذلك بصفة أن السعودية من أهم مصدري الطاقة، وبهذا الأمر سوف تكون هناك انعكاسات واسعة ليس فقط داخل السعودية، إنما خارجها كذلك، مختتماً تصريحاته بقوله: "نأمل أن يكون هناك إدراك من صانعي السياسة ومتخذي القرار حول العالم بشكل أكبر بمدى خطورة الأثار السلبية وتداعيات التغير المناخي على العالم".
السعودية الخضراء
وبدوره، يشير الخبير الاقتصادي السعودي سالم باعجاجة، في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية"، إلى مبادرة المملكة العربية السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، موضحاً أنها "مبادرة عالمية انطلقت من السعودية، لتشجيع النهج الاقتصادي الدائري للكربون، بما يتوافق مع خطط المملكة التنموية، وبما يحفظ دورها الريادي في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة"
والسعودية الخضراء هي مبادرة أعلن عنها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 27 مارس الماضي، بهدف زيادة الغطاء النباتي، وتقليل انبعاثات الكربون، ومكافحة التلوث وتدهور الأراضي، والحفاظ على الحياة البحرية.
وفي 23 أكتوبر الجاري أطلقت المملكة النسخة الأولى للمنتدى السنوي لمبادرة السعودية الخضراء في الرياض، الذي يعنى بإطلاق المبادرات البيئية الجديدة للمملكة، ومتابعة أثر المبادرات التي تم الإعلان عنها سابقاً، بما يحقق مستهدفات مبادرة السعودية الخضراء.
ويوضح الخبير الاقتصادي السعودي أن المبادرة السعودية وإطلاق النسخة الأولى للمنتدى، جاء قبيل أيام من قمة غلاسكو المنتظرة، مشيراً إلى أنه "من المرجو أن يتم خلال هذه القمة الاتفاق على خفض أكبر للانبعاثات في مواجهة ارتفاع درجة حرارة الأرض، والاتفاق على أطر واضحة لمواجهة التغير المناخي"، لافتاً إلى حديث ولي العهد السعودي وتصريحات وزير الطاقة السعودي مؤخراً، والتي حملت تأكيداً على اهتمام السعودية بالمشاركة بفعالية عبر مبادراتها ومشاريعها في هذا الإطار.
وأعلنت السعودية مؤخراً عن إطلاق الحزمة الأولى من المبادرات النوعية في المملكة لتكون خارطة طريق لحماية البيئة ومواجهة تحديات التغير المناخي، وتمثل هذه المبادرات استثمارات بقيمة تزيد على (700) مليار ريال، ما يسهم في تنمية الاقتصاد الأخضر، وتوفير فرص عمل نوعية وفرص استثمارية ضخمة للقطاع الخاص، وفق رؤية المملكة 2030.