كما جرت العادة يتجدد الجدل السياسي والقانوني الحاد، حول مفهوم الكتلة الأكبر في البرلمان العراقي، التي يحق لها تشكيل الحكومة الجديدة بعد كل انتخابات تشريعية عامة.
ويرى مراقبون أن الخلاف حول هذه الكتلة بدأ منذ الآن، رغم عدم ظهور النتائج النهائية، وسط الترقب وشد الأعصاب وارتفاع وتيرة المناكفات والمماحكات السياسية، بين مختلف الأطراف ولا سيما الرئيسية المتنافسة، على الظفر بالحق في تشكيل الحكومة القادمة.
وما زاد الطين بلة حسب خبراء قانونيين هو المادة 45 من قانون الانتخابات الجديد رقم 9 الصادر في العام 2020، حيث زاد اللبس لبسا، والتي تنص على أنه :”لا يحق لأي نائب أو حزب أو كتلة مسجلة ضمن قائمة مفتوحة فائزة بالانتخابات الانتقال إلى ائتلاف أو حزب أو كتلة أو قائمة أخرى إلا بعد تشكيل الحكومة بعد الانتخابات مباشرة، دون أن يخل ذلك بحق القوائم المفتوحة أو المنفردة المسجلة قبل اجراء الانتخابات من الائتلاف مع قوائم أخرى بعد اجراء الانتخابات”.
فيما تنص المادة 76 من الدستور العراقي على: “يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية".
وللحديث عن هذه الاشكالية المزمنة التي تتكرر كل دورة انتخابية، يقول هاتف الركابي مستشار اللجان البرلمانية في مجلس النواب العراقي، في لسكاي نيوز عربية :"من المعلوم أن موضوع الكتلة الأكبر قد أثار ولا زال جدلا واسعا طوال الدورات البرلمانية، والمعروف أن مفهوم الكتلة الأكبر الذي اعتمده مجلس النواب العراقي في مختلف الدورات السابقة، هي الكتلة التي تتشكل بعد الانتخابات من عدة ائتلافات برلمانية".
ويضيف الركابي: “الموضوع جدا حساس وشائك، وسيكون ولا ريب محل خلاف بمجرد انعقاد الجلسة الأولى لمجلس النواب الجديد".
وأردف قائلا :"المسألة لها شقان، الأول أن الخلاف حول هذا النص الدستوري يعني الرجوع إلى مجلس الدولة لطلب التفسير، من ثم نقل الكرة من ملعب المحكمة الاتحادية، التي تبت في الأمر نحو المفوضية، والشق الثاني أن نص المادة الدستورية 76 المؤطرة لهذه القضية، يعد الأساس في تنظيم هذه الجزئية المتعلقة بتشكيل السلطة التنفيذية، مما قد يجيز النظر إلى نص المادة القانونية 45 من قانون الانتخابات الجديد للعام 2020، كنص مخالف للدستور بوصفه تدخل في تنظيم موضوع دستوري بحت، خاصة وأن المادة 76 لم تشر لوجود الحاجة إلى صدور قانون ينظمها، أي تكييف هذه المادة بأنها مخالفة للدستور، لأن السلطة التشريعية خارج اختصاصها، وإذ أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة، فستكون لها الغلبة في نهاية الأمر، وهذه هي قراءتي لسيناريو ما سيحدث ما بعد الانتخابات لجهة البت في موضوعة من هي الكتلة الأكبر".
لا يمكن لأي نص قانوني تشريعا كان أو قانون أو تعليمات أو قرار أو لائحة، أن يخالف النص الدستوري، كما يشرح المستشار البرلماني العراقي بالقول :"وبالتالي فالمادة 45 في محل العدم، إذا ما تعارضت مع النص الدستوري، فهو الذي يسمى ويطبق، ومختلف الجهات المعنية كالمحكمة الدستورية والمفوضية العليا للانتخابات، تطبق النص الدستوري، وليس هذا القانون".
بدوره يرى مهند الجنابي أستاذ العلوم السياسية، في لقاء مع سكاي نيوز عربية أن:"هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها إثارة كل هذا الجدل حول موضوع الكتلة الأكبر، ففي الجانب القانوني التفسير واضح، ذلك أن المحكمة الاتحادية أدلت بدلوها لثلاث مرات، حول هذه الاشكالية في الأعوام 2010 و2015 وبعد استقالة أو بالأحرى اقالة عادل عبد المهدي في العام 2019، وقرارها هو أن الكتلة الأكبر هي، إما الكتلة الفائزة بالانتخابات، أو تحالف كتلتين أو أكثر، لتشكيل الحكومة".
فمنذ الخلاف الذي دب بين إياد علاوي ونوري المالكي، على أحقية كتلة أيهما في نيل التكليف الحكومي في العام 2010، وهذا التفسير الدستوري هو النافذ بحيث بات عرفا دستوريا، كما يشرح الجنابي.
وعن ما ستتمخض عنه الخلافات حول الكتلة الأكبر هذه المرة، يقول الأكاديمي العراقي :"الآن إما الكتلة الصدرية ستستطيع تشكيل الحكومة وذلك يتطلب منها إكمال النصاب اللازم والبالغ 165 مقعدا، وإما أن يشكلها الإطار التنسيقي الذي يضم دولة القانون والفتح، ورغم أن المادة 45 من قانون الانتخابات، تمنع الاندماج بين الكتل لكنها لا تمنع التحالف بينها، وبذلك يمكن مثلا لنوري المالكي تشكيل الكتلة الأكبر عبر التحالف مع قوى الاطار التنسيقي الشيعية، وهذا يعني اقصاء الصدر نظريا، مع عدم اغفال امكانية أن يتم الاتفاق مع التيار الصدري كما حدث في الدورات السابقة، وبفعل المحاصصة السياسية فإن تشكيل الحكومة مرتبط عموما بالتوافق والاتفاق بين الشيعة والسنة والأكراد على الرئاسات الثلاث كحزمة واحدة، وهي البرلمان والجمهورية، ومن ثم الحكومة".