تتجه الأنظار إلى محافظة كركوك العراقية، والنتائج التي ستنفرز عنها، لأنها ستحدد نسبياً مُستقبل هذه المحافظة، المُتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كُردستان العراق، وذلك بعد إجراء الانتخابات التشريعية في العراق
ويعود الحديث مجددا في العراق عن المادة 140 من الدستور، التي كانت طوال السنوات الماضية محل حساسية متبادلة بين أبناء مختلف القوميات في المحافظة، من عرب وأكُراد وتُركمان.
تُشير الأرقام المُعلنة حتى الآن من داخل المحافظة، إلى أن الأحزاب الكُردية ستحصل على ما بين 6 و7 مقاعد برلمانية من أصل 12 مقعداً مخصصاً للمحافظة، بينما ستحصل القوائم العربية على ما بين 3 و4 مقاعد، وستتراجع حصة المكون التركماني من 3 مقاعد إلى مقعدين أو مقعد واحد في أسوء الأحوال.
وكانت الكثير من الدعوات السياسية والبرلمانية والثقافية العراقية قد تصاعدت خلال الشهور الماضية، وطالبت الحكومة المركزية العراقية بحل ملف المناطق المُتنازع عليها في العراق، التي تُشكل محافظة كركوك أكثر أجزائها حسياسية.
وجرت الدعوة إلى الحل، سواء بالتوافق أو عبر الآليات التي يُحددها الدستور العراقي، لأن هذا الملف واحد من أهم منابع التوتر والصراع داخل العراق، ولم يحظَ بأي اهتمام حكومي بسبب الضغوط الإقليمية.
المادة 140
والمادة 140 من الدستور العراقي خاصة بتحديد مصير المناطق المُتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كُردستان، والتي تُقدر مساحتها بأكثر من 40 ألف كيلومتر مربع، وتمتد ضمن محافظات كركوك والموصل وديالى، التي تضم مناطق مختلطة، عربية كُردية تُركمانية، فيما تقول القوى الكُردية إن المكون الكُردي يشكل أغلبية سكانية واضحة فيها، بالرغم من "سياسات التعريب" التي طالتها لسنوات كثيرة.
وكانت محافظة كركوك طوال الدورات الانتخابية البرلمانية الماضية تشهد انقساماً سياسياً يوازي القومي في المحافظة. ففي حين كان المرشحون الأكراد يحصلون على نصف المقاعد البرلمانية، 6 مقاعد من أصل 12 مقعد برلماني مخصص للمحافظة، فإن مرشحي المكونين العربي والتُركماني كانوا يتقاسمون باقي المقاعد مناصفة، وهو أمر كان يزيد المخاوف بشأن إمكانية تصويت سكانها لصالح ضمها إلى إقليم كُردستان في حال إجراء استفتاء دستوري بشأن تحديد مصيرها.
جدل التقسيم
الدورات الانتخابية السابقة كانت تُحدد كامل محافظة كركوك كدائرة انتخابية واحدة، يتمكن فيها مُجمل السُكان من انتخابات قائمة جماعية حزبية أو فردية واحدة، لكن قانون الانتخابات الحالي قسم المحافظة إلى ثلاث دوائر محلية رئيسية، وهو أمر اعتبره المتابعون بمثابة تقسيم قومي أولي وثابت لأعداد المقاعد المخصصة لكل قومية من أبناء المحافظة.
الدائرة الانتخابية الشمالية من المحافظة، والتي خُصص لها 5 مقاعد من أصل 12 مقعداً، تبدو محسومة لأبناء المكون الكُردي، لأنهم يشكلون الأغلبية المُطلقة للسُكان في كامل تلك المنطقة. والدائرة الغربية التي خُصص لها 4 مقاعد، تعد شبه محسومة للمرشحين العرب، مع منافسة نسبي لمرشح كردي على مقعد واحد فيها.
أما الدائرة المركزية الوسطى، التي يُشكل فيها التركمان أغلبية نسبية فحسب، فقد خُصص لها 3 مقاعد فحسب، وهو أمر قد يعني أن أعداد البرلمانيين التركمان من المحافظة قد ينخفض من ثلاثة إلى اثنين، وربما مقعد برلماني واحد، لأن نسبة التصويت كانت متدنية في الأوساط التركمانية خلال اليوم الانتخابي، بينما تكتل الأكراد لصالح مُرشح واحد في هذه الدائرة.
الناشط التركماني العراقي مدحت توبري شرح في حديث لـ"سكاي نيوز عربية"، الهواجس التركمانية من هذهِ النتائج الأولية للمقاعد البرلمانية في محافظة كركوك "، قائلا إنه كان ثمة تناغم عربي كُردي لتوزيع أكبر عدد من المقاعد في المناطق التي يشكلون فيها الأغلبية، ولم يتم الالتفات إلى الدعوات التركمانية لتخصيص خمسة مقاعد للمناطق الوسطى بدلاً من ثلاثة.
وفي الوقت نفسه، جرى حرمان التركمان من عشرات الآلاف من الأصوات لأن هذه الانتخابات التي تجري دون تهيئة الظروف لتصويت الناخبين في الخارج، حيث أكثر من نصف تركمان كركوك ما يزالون خارج المحافظة".
يضيف توبري حديثه لسكاي نيوز عربية "المخاوف التركمانية تمتد للخشية من إمكانية حدوث ذلك التوافق الثنائي أثناء اجتماعات مجلس محافظة كركوك، أو حتى أثناء تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي في مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة المركزية العراقية الجديدة، وتالياً فقدان التركمان لأية منطقة ذات خصوصية تركمانية في العراق".
وكانت قوات البشمركة الكُردية قد سيطرت على محافظة كركوك طوال الأعوام 2014-2017، وذلك بطلب من الحكومة المركزية، أثناء مرحلة سيطرة تنظيم داعش على المناطق الوسطى والغربية من العراق.
لكنها القوات الكردية ما لبثت أن انسحبت منها في خريف العام 2017، بعد هجوم منسق من قوات الجيش العراقي بالتعاون مع فصائل الحشد الشعبي العراقي، وتم عزل المحافظ الكُردي للمحافظة وتعيين آخر من القوى السياسية العربية، بأمر من رئيس الوزراء وقتئذ حيدر العبادي، ومن خارج موافقة مجلس المحافظة، التي يُشكل الأعضاء الأكراد أغلبيته.
ويطالب الأكراد منذ العام 2003 بضم المحافظة، مذكرين بأنهم يشكلون أغلبية سُكان المحافظة، بالرغم مما يقولون إنها "حملات تعريب" تواصلت طوال عهد حُكم حزب البعث (1969-2003). فيما يتهم التركمان الطرفان الكُردي والعربي بتغيير الطابع التقليدي لمدينة ومحافظة كركوك، التي كانت ذات هوية وأغلبية تركمانية قبل عقود قليلة.
يشير المراقبون إلى الكُتلة الكُردية ضمن البرلمان العراقي سوف تشترط تنفيذ هذه المادة الدستورية، كشرط مسبق لدخولهم في أية تشكيلة حكومية مستقبلية.