مئات المليارات تحتاج ليبيا إلى إنفاقها من أجل إصلاح الضرر الذي وقع في قطاعات عدة تضررت خلال العشر سنوات الأخيرة، بسبب الإرهاب وحالة الصراع، ما يجذب أنظار الكثير من الأطراف الدولية، التي أبدت رغبتها في المساهمة في تنفيذ تلك المشروعات ضمن خطة إعادة إعمار البلاد.
وقدر منتدى اقتصادي عقد في إيطاليا، أغسطس الماضي، حاجة ليبيا إلى إنفاق نصف تريليون دولار، على عدة سنوات، من أجل تنفيذ مشروعات في البنى التحتية والطاقة والمياه والصحة وغيرها من القطاعات، إضافة إلى استكمال مشروعات أخرى تعطلت قبل 10 سنوات.
وتصطف الشركات من عدة دول بينها فرنسا وألمانيا وتونس ومصر وإيطاليا، للفوز بعقود إعادة بناء البلاد، كما أعربت كل من الصين والولايات المتحدة وروسيا عن استعداد كل منها للمساهمة في تلك العملية، وذلك خلال محادثات رسمية لمسؤوليها مع نظرائهم الليبيين.
ونبه الصحفي الليبي المختص في الشأن الاقتصادي أحمد السنوسي إلى أن الحديث عن إعادة الإعمار لازال سابقا لأوانه، مشيرا إلى أن الوضع داخليا لم يحسم بعد من أجل التفاوض وإبرام الصفقات مع الدول المختلفة.
وأرجع السنوسي ذلك إلى أن الأسباب التي أدت إلى اندلاع الحرب الماضية لا تزال قائمة حتى اليوم، كما أن بعض الأطراف في ليبيا، المستفيدة من عقد من الفوضى والحرب، لا تريد لليبيا أن تعيش الاستقرار، حيث تبسط "الميليشيات والمقاتلون الأجانب" سيطرتهم على بعض المناطق في البلاد.
وأضاف أن ليبيا لا يزال أمامها طريق طويل وشاق قبل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي المستدام، ما يمنعه من التفاؤل حول نجاح مسار العملية السياسية الحالية، إذ يخشى اندلاع حرب جديدة.
تحديات أمنية
ويتفق معه الباحث الليبي جليل حرشاوي في استمرار "هشاشة" الوضع الأمني، وتمركز المرتزقة في مناطق بالبلاد، كما لم يتم تفكيك الميليشيات، لافتا إلى الدمار الواسع الذي تعرضت له شبكة البنية التحتية، وما لحق بشبكة الكهرباء من أعطال، إضافة إلى تضرر المطارات وتوقف خطط مد السكك الحديد، وتمهيد الطرق السريعة.
وقال حرشاوي إن العديد من العقود أبرمت قبل العام 2011 مع شركات من الصين وروسيا وغيرها، وانطلت بعضها بالفعل لكن الوضع الاقتصادي للدولة حينها ليس الآن، شارحا: "ليبيا لم تعد كما كانت في العام 2006، ولا نعرف إلى أين وصل احتياطي الدولار، ولا نعرف ما إذا كانت الظروف الأمنية جيدة".
واختتم الباحث الليبي: "ليبيا لم تبنِ شيئا منذ عشر سنوات، ولم تحافظ على بنيتها التحتية، وهي دولة غنية لديها احتياج لتنفيذ عديد المشروعات" لكن الأمر مرتبط بعوامل أخرى غير اقتصادية.
فاتورة الإعمار
وتختلف التقديرات داخليا بخصوص "فاتورة الإعمار"، إذ أصرح وزير الاقتصاد بحكومة الوحدة الوطنية محمد الحويج، بأن الأمر سيكلف 200 مليار دولار؛ وذلك بناء على الدراسات المحلية، وأخرى أعدها البنك الدولي، طارحا أسماء دول "مصر وإيطاليا وتونس والجزائر وفرنسا" كشركاء في تنفيذ تلك المشروعات.
بينما توقع وزير الدولة للشؤون الاقتصادية بالحكومة، سلامة الغويل، أن تبلغ قيمة التمويل المطلوب لإعادة إعمار ليبيا نحو 500 مليار دينار (111 مليار دولار)، خلال السنوات العشر المقبلة، مؤكدا سعي بلاده إلى الاستفادة من تجربة مصر في هذا السياق، إذ يرجح أن تحوز شركاتها على مشروعات بقيمة 77 مليار دولار.
وقدرت دراسة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة «الإسكوا»، أن تستأثر دول جوار ليبيا بـ 160 مليار دولار من قيمة المشروعات المخصصة لإعمار ليبيا، خلال أربع سنوات، ما يسهم في خفض معدل البطالة في تونس بنحو 6%، و9% في مصر و14% في السودان.
ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة بنغازي عطية المهدي الفيتوري بأن الأولوية الآن في خطة إعادة الأعمار هو "بناء المدن المهدمة، وتوفير مساكن للنازحين الذين فقدوا منازلهم، وإعادة تشغيل المصانع الكثيرة المتوقفة، وإعادة تأهيل البنية الأساسية من كهرباء ومياه وطرق، والاهتمام بالجامعات والمدارس والمستشفيات التى تحتاج إلى الصيانة أو إعادة بناء".
ودعا الفيتوري إلى تحديد مصادر تمويل خطة إعادة الإعمار، قبل إطلاقها، ووضع خطة زمنية واضحة يلتزم بتنفيذها، إضافة إلى النظر في التحديات التي قد تواجهها وسبل معالجتها، معقبا: "بهذا تستخدم الأموال العامة بشكل مناسب، بدلا من إنفاقها على الدين العام المحلي، الذى يمكن أن ينتظر، ولا يعبر عن حاجة ملحة".