تتوالى التقارير الدولية المحذرة من مخاطر استفحال المأساة الإنسانية والمعيشية، التي تفتك بملايين السوريين، من جراء تراكمات الأزمة التي تمر بها البلاد منذ ما يزيد عن عشرة أعوام.
وبحسب تقرير حديث صدر عن مكتب الاحصاء المركزي، بالتعاون مع برنامج الأغذية العالمي، فإن نحو 84 في المئة من المواطنين السوريين، يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
وأشار التقرير إلى تدهور الوضع، خلال الربع الأول من العام الجاري، بمناسبة مرور 10 أعوام على بدء الحرب السورية.
وأوردت البيانات، أن قرابة 12 مليون ونصف المليون شخص، يواجهون انعدام الأمن الغذائي، كما أن أكثر من مليوني وربع المليون سوري يعانون انعدام الأمن الغذائي الشديد.
تعليقا على ارتفاع معدلات الفقر الحادة في سوريا، يقول زياد عربش، المستشار الاقتصادي السوري، في لقاء مع موقع "سكاي نيوز عربية"، "بعد 10 سنوات من الحرب، تآكلت بالطبع العديد من المكتسبات الهامة، التي تحققت على المستوى الاقتصادي، وتحديدا على صعيد الأمن الغذائي.
من التصدير إلى الأزمة
وأردف أن "سوريا كانت تصدر القمح الفائض بإنتاج 4 ملايين طن واستهلاك مليونين ونصف طن في 2010، وزيت الزيتون والخضار والحمضيات، والتي كانت تمثل 10 في المئة من صادراتها الكلية، وإذا ما أضفنا القطن والمنسوجات تصبح بحدود 30 في المئة، ومع الأسف جاءت الحرب بآثار ومفاعيل مدمرة".
ويسهب الباحث السوري في شرح تداعيات الحرب والحصار الكارثية على الاقتصاد السوري، بالقول "توالي إجراءات الحصار انعكس سلبا على كل مكونات النشاط الاقتصادي، من التمويل إلى التأمين والتجهيزات والإمداد والتسويق والاستيراد والتصدير، ثم هدم البنيات التحتية لقطاع الزراعة والثروة الحيوانية على يد قوى الأمر الواقع، المسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي الخصبة في كامل شرقي الفرات وفي شمال إدلب".
وأشار الباحث إلى تدهور سعر الصرف وتآكل المدخرات والمداخيل، فضلا عن ارتفاعات متلاحقة في الأسعار؛ سواء المنتجة محليا أو المستوردة، مع هجرة العديد من الكوادر العاملة في القطاع الزراعي، وتآكل المساحات المروية، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وأضاف أن كل هذا ساهم في تدني كميات الإنتاج.
معيشة بشق الأنفس
وأوضح أن الأرقام التي ترد هنا وهناك لا يمكن الركون إليها، وتبقى مضللة، طالما أنها لا تحيط تماما بدينامية الوضع الحالي وكافة المعطيات، كما يرى الخبير الاقتصادي السوري، الذي يضيف "حيث هناك شرائح اجتماعية تكاد تؤمن حاجاتها الأساسية من المأكل والمشرب بشق الأنفس، فيما خرجت العديد من السلع من السلة الغذائية لهذه الأسر، أو على الأقل استهلاك كميات قليلة منها فقط".
ويردف عربش، وهو أيضا أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق "وهناك الشريحة الوسطى التي قامت أيضا بتقليص إنفاقها على سلع وخدمات عديدة، بل وأوقفت استهلاكها منها تماما".
وأردف أنه "قبل الحرب، كانت حصة إنفاق الأسر على الغذاء تمثل 30 إلى 35 في المئة من كامل الإنفاق، أما الآن فتنفق الأسر أكثر من 60 في المئة لتأمين المعيشة الغذائية، والعديد منها غير قادرة على شراء السلع الغذائية ذات السعر المرتفع، فتقلصت كميات اللحوم والمنتجات الحيوانية المستهلكة لصالح الاكتفاء بالبقوليات والحبوب كمثال".
ويتابع "صحيح نظريا أن الرواتب لا تكفي لسد حاجات معظم شرائح المجتمع، لكن مع ذلك هناك العديد من السلع والخدمات ما زالت الدولة تؤمنها بأسعار رمزية ومدعومة، كالدقيق والخبز والسكر والأرز ومشتقات الطاقة، وهو ما يخفف إلى حد ما العبء الثقيل بفعل ارتفاع الأسعار في الأسواق".
وأشار الأكاديمي السوري إلى المداخيل المتأتية من تحويلات المغتربين لأسرهم في الداخل، والتي تنامت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، مع نمو كبير للقطاع غير المنظم، بما فيه الاستهلاك الذاتي أي إنتاج واستهلاك السلع دون المرور بالأسواق، وبروز دور الاقتصاد الريعي الداخلي، أي المداخيل المتأتية من الإيجارات".
ويستطرد عربش شارحا "هناك دور منظمات المجتمع الأهلي السوري، في التعاضد وتقديم المؤازرة والمساعدات المالية والعينية كالسلل الغذائية، والخدمات الصحية شبه المجانية أو بأسعار رمزية، مع ملاحظة دور منظمات التنمية الدولية في تأمين جزء من الحاجات في مناطق عديدة من البلاد".
وحول سبل معالجة هذه الأزمة الحادة، يقول "الحل يكمن بداية باستعادة سوريا لخزانها الغذائي وولوجها إلى مصادر الطاقة والنفط المحلية، وتأمين المازوت والكهرباء والأسمدة والمياه، التي ستسمح بالعودة إلى الإنتاج الوفير، وتلبية متطلبات الأسر السورية، بما فيها عودة المهجرين، ثم تصدير الفائض".
ووفق مختلف التقارير الأممية الحديثة، فإن سوريا من أفقر دول العالم الآن، حيث بات زهاء 90 في المئة من سكانها، تحت مستوى خط الفقر، فضلا عن مقتل وجرح مئات الآلاف، وتشرد الملايين، ودمار مدن ومناطق بأكملها، واستباحة واحتلالات للأراضي السورية، من قبل دول إقليمية طامعة، ومنظمات إرهابية.