ألقت الفوضى الأمنية التي ضربت ليبيا منذ 10 سنوات بعد إطاحة الزعيم معمر القذافي، بظلالها على الدول المجاورة خاصة في منطقة الساحل الإفريقي، وذلك بعد ثبوت تورط ميليشيات بالداخل الليبي في تصدير مرتزقة لقتال القوات النظامية هناك.
وأبدى مسؤولون في دول إفريقية تشترك في حدود مع ليبيا تخوفهم من الميليشيات والمرتزقة المنتشرين في ليبيا، خاصة بعد التغيرات السياسية والعسكرية التي شهدتها بعض الدول الإفريقية، وآخرها غينيا، وسط تحذيرات دولية من تدهور الوضع الأمني داخل ليبيا.
ورغم الجهود الذي يقوم بها الجيش الوطني الليبي لضرب معسكرات المرتزقة والعناصر الإرهابية، فإن نقص الإمكانات وحظر السلاح المفروض على البلاد حالا دون القضاء التام على الميليشيات والمسلحين.
وآخر هذه الجهود كانت تدمير قوات الجيش الليبي رتلا للمعارضة التشادية، تمركز داخل ليبيا في منطقة تربو القريبة من مدينة مرزق، على الحدود الجنوبية للبلاد.
وقالت شعبة الإعلام الحربي الليبي إن فرقة المهام الخاصة نفذت عملية عسكرية استهدفت تمركز المرتزقة وعناصر المعارضة التشادية في تربو، مما أسفر عن تدمير عدد من آلياتهم ومدرعاتهم، والقضاء على من كان داخلها.
وأضافت الشعبة في بيان أن "القوات تواصل مطاردة بقايا هذه المجموعات في المناطق الحدودية"، مشيرة إلى مقتل أحد أفرادها خلال الاشتباكات.
وأعلنت تشاد والنيجر حالة الاستنفار الأمني، حيث عززت الدولتان تواجد قواتهما على الحدود لمنع تسلل إرهابيين من الداخل الليبي.
وقالت مصادر أمنية ليبية لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن نقاط الارتكاز الأمني بين البلدين من وليبيا من جهة أخرى، شهدت بالفعل تعزيزات عسكرية من أفراد وآليات، من جانب تشاد والنيجر.
وأكدت المصادر أن "زيادة القوات كان من جانب واحد فقط"، وأن "الأسباب قد تكون خوفا من تسلل إرهابيين من ليبيا إلى داخل الجارتين".
وأشارت إلى أن "البلدين عانا كثيرا من فوضى السلاح والميليشيات في ليبيا، وآخر دليل كان الأحداث في تشاد التي أدت لمقتل الرئيس إدريس ديبي، بقوة متمردة دخلت من ليبيا".
قلق دولي
واعتبر المبعوث الأممي إلى ليبيا يان كوبيتش أن "استمرار وجود المرتزقة والمقاتلين والقوات الأجنبية يعد مصدر قلق لليبيا وللمجتمع الدولي على حد سواء، بما في ذلك دول الجوار".
وأكد كوبيتش على ضرورة أن يقترن سحب المقاتلين الأجانب والمجموعات المسلحة بجهود مكثفة في أنحاء ليبيا والمنطقة الأوسع، لمعالجة الأسباب الجذرية لغياب الاستقرار.
وأكد على ضرورة تعزيز التدابير لفرض سيطرة الدولة في المناطق الحدودية، منعا لجرائم تهريب البشر والأسلحة والمخدرات، مجددا موقف الأمم المتحدة الثابت بخصوص أن "ليبيا لا تعتبر ميناء آمنا لإنزال المهاجرين واللاجئين".
وعلق المحلل السياسي سليمان الباروني قائلا إن "الاستنفار الأمني في دول جوار ليبيا طبيعي في مثل هذه الظروف، خاصة أن الدولتين عانتا كثيرا بسبب فوضى الميليشيات في ليبيا".
وأضاف الباروني لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هناك فوضى سياسية في بعض البلدان الإفريقية حاليا وآخرها غينيا، التي شهدت انقلابا أطاح الرئيس ألفا كوندي، مما يجعل هذه الدول في أمس الحاجة لتأمين كافة النقاط لمنع فتح جبهة تزعزع استقرارها".
وأكد أن "ليبيا أصبحت كابوسا لدى جيرانها بسبب فوضى السلاح والميليشيات، فالكل يعلم من يسكن الصحراء الليبية غير الخاضعة لسيطرة السلطات".
كما تحدث المحلل السياسي إبراهيم الفيتوري في السياق ذاته، قائلا إن "ما حدث في غينيا قد يثير خوف بعض الدول المجاورة، خاصة أنها في الأساس تشهد تقلبات سياسية حادة أدت إلى حدوث أزمات خلال بعض الفترات، خاصة في تشاد التي قتل رئيسيا مؤخرا".
وأضاف أن "النشاط الإجرامي للعصابات والمرتزقة في ليبيا تنامى مؤخرا نتيجة غياب نظام سياسي قادر على ردع المشكلات".
وفي ديسمبر الماضي، قدرت الأمم المتحدة أن هناك ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل ومرتزق أجنبي في ليبيا، من بينهم سوريون وروس وسودانيون وتشاديون".
إلا أن دبلوماسيين قالوا إن المتحدثين في اجتماع غير رسمي للمجلس في أواخر أبريل، أفادوا أن هناك أكثر من 20 ألف من المسلحين الأجانب في ليبيا.
واقترح رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد محمد إدريس ديبي إعادة إحياء الاتفاق الرباعي بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد، بتشكيل قوة عسكرية مشتركة على الحدود مع ليبيا للحول دون توغل جماعات متمردة، على غرار ما حصل في أبريل الماضي وأدى إلى مقتل والده.
وكانت الدول الأربع وقعت في 2018 اتفاقية تعاون أمني لمكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر، لكن هذا الاتفاق لم يمنع انتشار قوات شبه عسكرية في جنوب ليبيا، وتوغل متمردين تشاديين من هناك باتجاه العاصمة نجامينا.