يرجح متابعون في تونس اتجاه الرئيس، قيس سعيد، إلى العمل على تغيير النظام السياسي من نظام شبه برلماني إلى نظام رئاسي، خاصة مع تصاعد الأصوات المنتقدة للنظام شبة البرلماني الذي تعتمده البلاد منذ 2014 و ما خلفه من عجز في إدارة دواليب الدولة، خلال العشرية الأخيرة.
وظل هذا النظام السياسي محل انتقاد من الكثير من الخبراء والسياسيين الذين وصفوه بالهجين و قالوا إنه لا يتلاءم مع طبيعة البلاد التي اعتمدت نظاما رئاسيا، في مرحلة ما بعد الاستقلال وذلك قبل تغييره مع دستور 2014 ليصبح نظاما مختلطا يقسم السلطة بين مؤسستي رئاسة الجمهورية و رئاسة الحكومة، وهو ما أفرز صدامات و خلافات بين المؤسستين في محطات سياسية متعددة.
ورجح أمين عام حركة الشعب، زهير المغزاوي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أن يتجه الرئيس قيس سعيد إلى اعتماد تنظيم مؤقت للسلط العمومية وتعليق العمل بالدستور والذهاب إلى انتخابات تشريعية مبكرة.
واعتبر أنه لا مبرر للقلق الذي تبديه اليوم بعض الجهات السياسية، "فانتقال السلطة رغم تعقيداته يمر بشكل جيد وسيأتي وقت يتحاور فيه الرئيس مع الفاعلين في إطار مقاربة تشاركية".
خيار مطروح
وقال المغزاوي إن تعديل النظام السياسي من شبه برلماني إلى رئاسي مطروح على الطاولة باعتباره مطلبا متجددا للنخبة السياسية، لأن النظام شبه البرلماني نظام هجين يؤدي إلى تفكك الدولة".
لكن المغزاوي وصف هذا المطلب بغير المستعجل في الوقت الحالي حيث تعطى الأولوية المطلقة للمطالب الشعبية وهي الصحة والشغل ومقاومة الفساد ثم سيقع المرور لمطالب النخبة بتعديل النظام السياسي والقانون الإنتخابي.
وبعد أحداث 14 يناير 2011 في تونس، تبنت البلاد نظاما سياسيّا مختلطا يقوم على التوازن بين السلط التشريعية والتنفيذية والقضائيّة، ويمنح صلاحيات تنفيذية واسعة لرئيس الحكومة ويمنح البرلمان صلاحيات التشريع والرقابة ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها والرقابة على عملها، بينما يختص رئيس الجمهوريّة الذي يتم انتخابه بصفة مباشرة من الشعب بمجالات الأمن القومي والدفاع والعلاقات الخارجيّة.
"عقد من الخيبات"
ومن جهته، قال القيادي في حزب البديل، محمد بنور إن التونسيين عاشو خيبة أمل خلال 10 سنوات من حكم حركة النهضة استنسخت فيها الحركة الإخوانية "ديكتاتورية" النظام السابق و تجربته في سيطرة الحزب على الدولة و ألغت وجود كل الأحزاب.
وأردف أن قرارات 25 يوليو فرصة للإصلاح الحقيقي الذي يمر بالضرورة عبر تغيير النظام السياسي وقانون الإنتخابات.
وأشار بنور في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن هيئة الانتخابات ورغم تقرير دائرة المحاسبات الذي يدين أحزاب النهضة و قلب تونس باستعمال أموال أجنبية في الإنتخابات الماضية لم تطبق القانون حتى الآن و لم تحرك ساكنا و لم تلغ وجودهم في البرلمان و لم تمنعهم من خوض أي انتخابات قادمة كما يمليه القانون.
ويبدو أن تفيعل الرئيس قيس سعيد للفصل 80 من الدستور و تجميده لعمل البرلمان و توليه السلطة التنفيذية في 25 من يوليو فتح الباب على مصراعيه أمام عودة المطالب بتغيير النظام السياسي والقانون الإنتخابي اللذان أفرزا برلمان لا يعبر عن مشاغل الشعب، ويلقى سعيد مقابل ذلك دعما شعبيا واسعا فيما ذهب إليه من خيارات قانونية و سياسية وقد أظهرت آخر استطلاعات للرأي حصوله على ثقة أكثر من تسعين في المئة من التونسيين.
و اعتبر أستاذ القانون الدستوري عطيل الظريف في تصريحات للموقع أن الوضع في تونس سياسي أكثر مما هو قانوني "فنحن في إطار الفصل 80 من الدستور وقد أعلن الرئيس عن حكومة مرتقبة لإدارة البلاد باستراتيجية واضحة تعطي الأولوية للأوضاع الصحية والاقتصادية و مقاومة الفساد دون عودة للوراء و هي عبارة مفتوحة على كل التأويلات.
خيار الاستفتاء
وأورد أن الرئيس سعيد ربما يتجه إلى تغيير النظام السياسي، لكن الأمر لا يمكن أن يتم قانونيا إلا في إطار استفتاء شعبي على تعديل الدستور، أو عبر تنظيم مؤقت للسلط العمومية من أجل خلق مسار سياسي جديد يتماهى مع واقع تميل فيه موازين القوى شعبيا نحو الرئيس قيس سعيد".
ومن جانبه، أكد عضو هيئة الانتخابات، فاروق بو عسكر، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" أنهم يتابعون الوضع السياسي والدستوري في البلاد حيث لا وجود لمؤشرات عن انتخابات تشريعية سابقة لأوانها قانونيا قبل حل البرلمان، كما أنهم في انتظار أي تطور دستوري يرجح فرضية إجراء استفتاء أو انتخابات مبكرة مستعدون للقيام بدورهم في تنظيم أي استحقاق انتخابي أو استفتاء.
في السياق، عبر الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة الأكثر نفوذا في تونس، عن ثقته في قرارات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية، داعما الدعوة إلى تغيير النظام السياسي القائم في البلاد، في مخالفة صريحة لما تبحث عنه حركة النهضة المتمسكة بالإبقاء على النظام شبه البرلماني.
وتنتظر تونس، خلال الأيام القليلة القادمة وقبل انتهاء مدة تجميد البرلمان، الإعلان عن حكومتها المصغرة لقيادة المرحلة القادمة في انتظار استكمال مسار الإصلاح السياسي وفق ما تضبطه الأطر القانونية.