قبيل انتخابات الثامن من سبتمبر في المغرب، شهدت الساحة السياسية في البلاد حركية غير عادية بانخراط بعض الفاعلين الأمازيغ في الفعل السياسي المؤسساتي.
ودعا هؤلاء الفاعلون إلى المشاركة المكثفة في الانتخابات المقبلة، والتصويت ضد أحزاب "تلكّأت" في إنصاف الأمازيغية على مدى 10 سنوات الماضية؛ وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي قاد الائتلاف الحكومي المشرف على نهايته.
أصوات أمازيغية مشاركة
ورغم مرور 10 سنوات على ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، ثم مرور سنتين على إخراج القوانين المُنظّمة الخاصة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، إلا أن الإدماج الفعلي للأمازيغية لم يتحقق بالشكل السليم إلى اليوم.
لذلك يهدف الفاعلون الأمازيغ إلى تغيير هذا الوضع، بالمشاركة السياسية، باعتباره خيارا استراتيجيا وواقعيا للدفاع عن مختلف المكاسب الوطنية التي حققتها القضية الأمازيغية في المغرب.
في هذا السياق، يعمل مشروع "جبهة العمل الأمازيغي" على تأسيس "تجربة سياسية جديدة تعمل على تشجيع المشاركة السياسية للنشطاء الأمازيغيين المؤمنين بالعمل من داخل المؤسسات"، يقول منسق جبهة العمل الأمازيغي، محيي الدين حجاج.
وتابع المتحدث ذاته، في حديثه لـ"موقع سكاي نيوز عربية": "نحن في جبهة العمل الأمازيغي مؤمنون أشد الإيمان بأن خطوتنا هاته ستكون لها انعكاسات إيجابية على القضية الأمازيغية في شموليتها".
ويرى منسق جبهة العمل الأمازيغي، أنه "لا يستقيم موقف المقاطعة وإخلاء المؤسسات من الأصوات الأمازيغية، وفي ذات الوقت انتظار نتائج إيجابية من أناس آخرين إما حاقدين على الأمازيغية أو ليست ضمن أولوياتهم".
تدبير كارثي للأمازيغية
على مستوى حصيلة 10 سنوات، كان تعامل بعض الهيئات السياسية مع الأمازيغية، وخصوصا حزب العدالة والتنمية، موسوما بالحذر والمناورات وحرب المواقع، مما عطّل من مسلسل إنصافها.
وسجل الباحث والفاعل الأمازيغي، عبد الله حتوس، أن "تدبير حزب العدالة والتنمية للملف الأمازيغي كان كارثيا، حيث ضيّع على الأمازيغية والمغرب بشكل عام تسع سنوات، كان بالإمكان استثمارها للتقدم في مسار إنصاف الأمازيغية".
وأضاف الباحث والفاعل الأمازيغي، في تصريحه لـ"موقع سكاي نيوز عربية"، أن "قرار العشرات من مناضلي الحركة الأمازيغية دخول معترك الانتخابات من نوافذ وأبواب الأحزاب القائمة باستثناء العدالة والتنمية، هو في حد ذاته عقاب لهذا الحزب".
لكن المصدر ذاته، يعتقد أن "استكمال مسار الترسيم الفعلي المنصف مشروط بنجاح الحركة الأمازيغية وحلفائها في المشهد الحزبي في معارك جملة من الاستحقاقات فرضها المُشرّع".
وأوضح الباحث والفاعل الأمازيغي، أن "اللغة الأمازيغية لن تمارس كل وظائفها كلغة رسمية، إلا بعد نجاحها في سلسلة من المعارك التشريعية والتنظيمية وعلى مراحل، فالترسيم كي يكون فعليا في حاجة إلى قوى حزبية تسنده في المؤسسة التشريعية والحكومة والجماعات الترابية".
لهذا "ينتظر من مكونات الحركة الأمازيغية تعبئة قواعدها لدعم حلفائها في الاستحقاقات المقبلة؛ لأن التعامل بالمثل يفرض تبادل المصالح في إطار علاقة رابح-رابح"، يستطرد الباحث والفاعل الأمازيغي، عبد الله حتوس.
فرصة سياسية للمحاسبة
لقد سبب كل هذا البطء في تفعيل الأمازيغية، " انطباعا لدى العديد من الفعاليات الأمازيغية والحقوقية المغربية، بأنه لا توجد إرادة سياسية واضحة لدى الحكومة في تبني مطالبها المشروعة"، يذكر أستاذ العلوم السياسية والقانون بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، محمد العيساوي.
وشدد أستاذ العلوم السياسية، في اتصال مع "سكاي نيوز عربية"، أنه "من الصعب الحديث عن إنصاف حقيقي في هذه المرحلة السياسية التي أعقبت صدور دستور 2011 للأمازيغية كلغة وثقافة وهوية ومجال وإنسان كما ترسمها الحركة الأمازيغية".
ويبرز نفس المصدر، أنه "من الطبيعي أن تشكل الانتخابات فرصة سياسية سانحة للتصويت السياسي من طرف الفعاليات الأمازيغية ضد الحكومة".
غير أن هذا الأمر، "مرهون بمدى تجذّر هذه الفعاليات الأمازيغية في العمق المجتمعي؛ أي مدى تشكّلها كقوة انتخابية قادرة على أن تميل الكفة لهذه الحساسية السياسية أو تلك"، بحسب أستاذ العلوم السياسية والقانون، امحمد العيساوي.
كما نبه أستاذ العلوم السياسية، إلى أن "لحظة الانتخابات التشريعية محطة مهمة لدى التنظيمات الاجتماعية والسياسية والثقافية من أجل العمل على إقرار مطالبها وتصوراتها وذلك بدعم التوجهات السياسية الحاملة لمشاريع تنسجم مع تطلعاتها، وفي نفس الوقت محاسبة من كان يتحمل المسؤولية السياسية في تدبير السياسات العمومية وذلك بالتصويت السياسي الممانع لتوجهاته".
وأشار العيساوي، إلى أن "خيار المشاركة السياسية غداة الانتخابات فيه اختلافات بيّنة في أوساط الحركة الأمازيغية، إذ أن هذه الفعاليات الأمازيغية لم تستطع بعد أن تبلور مشروعا سياسيا يستطيع أن يدبّر اختلافاتها من أجل تشكيل حزب سياسي يمتح من الثقافة والهوية الأمازيغية".