جاءت القمة الثلاثية التي انعقدت، الخميس، بالعاصمة المصرية القاهرة، وجمعت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الفلسطيني محمود عباس، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، في إطار مساعي إيجاد أفق سياسي لاستئناف عملية السلام، والخروج من حالة الجمود السياسي القائم منذ سنوات، مع العمل على إنجاز المصالحة الفلسطينية، فضلا عن الملفات ذات الأولوية، لا سيما ملف إعادة الإعمار في غزة.
وتحدث محللون عن دلالات توقيت انعقاد تلك القمة، لا سيما في ظل عدة تطورات ومشاورات مختلفة، كانت من بينها لقاءات رئيس جهاز المخابرات المصري الوزير عباس كامل في إسرائيل، خلال الزيارة الرسمية رفيعة المستوى الأولى لمسؤول مصر إلى تل أبيب في عهد الحكومة الإسرائيلية الجديدة.
فضلاً عن الزيارة المتوقعة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى القاهرة- بعد دعوة رسمية من الرئيس السيسي- والتي ستكون الأولى من نوعها لرئيس وزراء إسرائيلي إلى مصر منذ العام 2010. كما تأتي القمة قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
تطورات
يقول وزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، إن "القاهرة قامت بجهدٍ دبلوماسي كبير في الفترة الماضية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية"، مشيراً بشكل خاص إلى زيارة رئيس جهاز المخابرات إلى إسرائيل ولقاءاته هناك مؤخراً.
ويوضح في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن القمة الثلاثية جاءت في توقيت مهم، بعد تلك الزيارة، وكذا التطورات المرتبطة بالسلطة الفلسطينية، عندما التقى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، فضلاً عن التطورات التي تشهدها المنطقة بصفة عامة.
ويلفت العرابي إلى أن "الجهد المصري الأردني يسعى إلى إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام بعدما شهدت الفترة الأخيرة بعض الهدوء بين إسرائيل وغزة.. وبالتالي كان من الضروري تنشيط العمل الدبلوماسي، لا سيما قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة"، موضحاً أن الدول الثلاث هم أركان رئيسية في القضية الفلسطينية، وثمة تفاهمات مفيدة لإحياء المسار السياسي مرة أخرى في ظل وجود حكومة إسرائيلية جديدة، وكذلك إدارة أميركية جديدة أكثر تفهماً لفكرة حل الدولتين.
كما يوضح وزير خارجية مصر الأسبق، أن الرئيس محمود عباس لديه بعض الأفكار بشأن مؤتمر دولي للسلام، ومن الممكن أن يكون أحد أدوات الدفع بعملية سياسية جديدة، وفي النهاية "يجب أن تحظى هذه الأفكار بقوة دفع مصرية أردنية، ومن الدول العربية عموماً، ثم الدول المهتمة بالقضية الفلسطينة في الغرب، بحيث تكون اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مناسبة جيدة لطرح هذه الأفكار للدفع بالعملية السياسية".
وانعقدت القمة -بحسب البيان الختامي- لتكثيف مستوى التنسيق إزاء مستجدات القضية الفلسطينية. وتناولت الاتصالات والتحركات الأخيرة التي قامت بها البلدان الثلاثة على المستويين الإقليمي والدولي، لاسيما تلك الهادفة إلى إيجاد أفق سياسي حقيقي لإعادة الجهود الفاعلة لحل الصراع على أساس حل الدولتين. كما تم خلالها التأكيد على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس، ورفض الإجراءات الإسرائيلية التي تقوض حل الدولتين.
مخرجات القمة
أستاذ العلوم السياسية عضو حركة فتح الدكتور أيمن الرقب، تحدث عن مخرجات القمة الثلاثية وأبرز الدلالات والنتائج، مشيراً إلى أن القمة التي انعقدت في القاهرة جاءت في إطار مساعي إحياء العملية السياسية والدفع بالقضية الفلسطينية، وتم التأكيد في مخرجاتها الواردة في البيان الختامي أنه تم تناول عدة ملفات تشمل إحياء عملية السلام بشكل كامل والحديث عن ملف المصالحة وإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي يضعف الموقف الفلسطيني، إضافة إلى الحديث عن عملية إعادة الإعمار في غزة.
ويبرز في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، أن "الأمر المهم والحاضر دائماً هو القدس، مع التأكيد على رفض الإجراءات الإسرائيلية لتهويد المدينة، مع السعي لاستصدار مواقف وقرارات دولية بالتأكيد على رفض تلك الإجراءات".
ويتحدث الرقب عن دلالات توقيت انعقاد القمة الثلاثية بالقاهرة، على اعتبار أنها تأتي قبل زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت إلى القاهرة خلال الفترة المقبلة، وللتأكيد على أهمية الموقف المصري في الدفع بحراك سياسي لحث الجانب الإسرائيلي لاستئناف عملية السلام، خاصة في ظل تصريحات مغايرة للحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها حكومة مرتبطة بالأزمات والأوضاع الداخلية بشكل خاص.
كما أن تلك القمة، في تقدير الرقب، جاءت كتنسيق عربي مهم قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في إطار التأكيد على أهمية أن يكون هناك موقف عربي موحد إزاء القضية الفلسطينية والتطورات الراهنة، مشدداً في الوقت نفسه على أن القمة جاءت تأكيداً على أنه لا أمن إلا بحل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.
مركزية القضية
أستاذ النظم القانونية والعلوم السياسية والقيادي بحركة فتح الفلسطينية، الدكتور جهاد الحرازين، يقول في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" إن القمة الثلاثية التي عقدت بالقاهرة وضمت مصر والأردن وفلسطين جاءت في توقيت له دلالات؛ خاصة أن هذه القمة جاءت للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية لدى الدول العربية، بخاصة دول الجوار مصر والأردن، ولما لهما من ثقل سياسي كبير في المنطقة ودور مميز وحاضر في الملف الفلسطيني.
كما جاءت قبل الاجتماع الدوري العربي لوزراء الخارجية العرب خلال هذا الشهر، بما يتطلب رؤية عربية موحدة وموقف فلسطيني مدعوم عبر تنسيق المواقف للخروج باستراتيجية واحدة تنقل إلى اجتماعات وزراء الخارجية العرب. وكذلك قبل الحدث الأهم المتمثل باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال هذا الشهر في دور الانعقاد السنوي، والتي تعد أكبر محفل سياسي دولى يتم الحديث والالتقاء فيه بين قادة دول العالم.
ويضيف الحرازين: "جاءت القمة أيضاً في ظل المتغيرات الدولية، خاصة المزاج الدولي تجاه إسرائيل وممارساتها بحق الشعب الفلسطيني، ومع وجود إدارة أميركية جديدة تؤكد على فكرة ومبدأ حل الدولتين.. الأمر الذي يتطلب أن يكون هناك لقاءات بين القادة لتنسيق المواقف والتأكيد على أهمية تحقيق السلام وتحريك العملية السلمية والعودة لطاولة المفاوضات وفق أسس معروفة تستند أساساً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية والقانون الدولي ووفق جدول زمني محدد، بما يحرك المياه الراكدة".
ولذلك -بحسب السياسي الفلسطيني- أكدت نتائج القمة على تلك الدلالات من خلال التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية والدعوة لتحريك المسار السياسي والمطالبة بوقف الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وتهيئة الأرض أمام أي حراك سياسي قادم بالمنطقة، مع ضرورة إنهاء حالة الانقسام الفلسطيني، والاتفاق على عقد مثل هذه القمة بشكل دوري؛ لمواصلة المشاورات والتنسيق.