يتفق كثير من المراقبين داخل العراق وخارجه، على أن مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، الذي انعقد السبت، يمثل تطورا مهما باتجاه إعادة ثقة العراق بنفسه كدولة محورية في العالم العربي والمنطقة، وبتحويله من ساحة تصفية حسابات إلى بلد مؤثر في المعادلات الإقليمية والدولية.
ويتطلع العراقيون إلى أن ينعكس مؤتمر بغداد، وغيره من مبادرات تعمل على ترسيخ الدور العربي والإقليمي والدولي للعراق، على الداخل العراقي إيجابا، وذلك عبر لجم التدخلات الخارجية السلبية في شؤونه الداخلية، وتعزيز شراكته وتعاونه مع مختلف دول المنطقة والعالم.
كذلك يعوّل المواطنون على أن يسهم تعزيز علاقات العراق الخارجية في جذب الاستثمارات للبلاد، بما ينعكس بصورة إيجابية على إنعاش الواقع الاقتصادي في البلد، الذي رغم كونه غنيا يسبح على بحار من الطاقة والثروات، فإنه مع ذلك يعيش أزمات متتالية.
كما يأمل العراقيون بتدفق الاستثمارات العربية والخليجية منها تحديدا، فضلا عن تطوير التبادل مع محيطه العربي الواسع في شتى المجالات، وخاصة في مجالات الطاقة والكهرباء والصناعة والتجارة، وتطوير بناه التحتية، ومختلف قطاعاته الإنتاجية.
وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، قال المواطن العراقي حامد عباس: "يتملكني الفخر كعراقي وأنا أرى بلدي يستضيف قمة كبيرة بهذا الحجم، وبغض النظر عن تفاصيل ما قد يتمخض عنها من نتائج ملموسة، لكنها تمثل مكسبا ولو معنويا كبيرا لنا كعراقيين".
وأضاف: "المهم بنفس الدرجة أن نتمكن من توظيف هذه القمة، وهذا التطور في علاقات بلدنا مع المحيط والخارج، في خدمة الداخل العراقي وفي تحسين ظروف حياتنا، حيث لا حاجة لسرد ما يعانيه العراقيون من أزمات متراكمة وعصية، تمتد من الصعيد الأمني ولغاية شح الماء والكهرباء وأبسط الخدمات".
ويقول مصدر صحفي مقرب من الحكومة العراقية، في حوار مع موقع "سكاي نيوز عربية": "المؤتمر كان أشبه بقمة عربية رغم حضور أطراف إقليمية ودولية، لكن الحضور العربي الطاغي وعلى أعلى المستويات، خاصة من دول الخليج العربية، قدم رسالة دعم قاطعة للعراق من قبل محيطه العربي، فضلا عن أن حضور مصر والأردن، يؤكد أن المنظومة العربية مصرة على استعادة العراق مكانته اللائقة ضمنها، وعلى احتضانه ودعمه في مواجهة مختلف التحديات".
وتابع: "من الضروري ترجمة ما ورد في البيان الختامي والبناء عليه، خاصة عبر تفعيل الدور العربي الاقتصادي والاستثماري في بلاد الرافدين، وذلك عبر تطوير الاتفاقات الموقعة لمشروعات الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج العربي ومصر والأردن مثلا، فالعجز الكهربائي العراقي كبير جدا بحيث لا ينتج سوى نحو 20 ألف ميغاواط، وهو أقل من نصف احتياجاته من الطاقة الكهربائية، فضلا عن بقية القطاعات الحيوية التي يحتاج العراق للخبرات العربية، في مجال الارتقاء بها وتطويرها، وتنويع مصادر دخله واقتصاده".
كما أشار إلى أن لدى دول الخليج العربي "تجارب تنموية ناجحة وملهمة للعراق، خاصة في مجال تقليل الاعتماد على النفط والغاز والاقتصاد الريعي، والارتقاء باقتصاداتها الوطنية عبر الاستثمار في اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا، والسياحة والصناعة والطاقة النظيفة، وتوفير بيئات استثمارية جاذبة".
وتابع: "من الضروري أن يستفيد العراق من كل هذه التجارب الغنية، كونه لا يزال يعتمد بصورة شبه كلية على النفط، الذي تشكل مبيعاته أكثر من 90 في المئة من الإيرادات العامة للدولة".
أما الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، فقال لموقع "سكاي نيوز عربية": "القمة في غاية الأهمية على المستوى العراقي، خاصة لجهة توقيتها، حيث تنعقد قبيل إجراء انتخابات مبكرة مصيرية وتأسيسية خلال أقل من شهرين، رغم ما يدور حولها من لغط وتجاذبات، والتي قد يتمخض عنها حتى إعادة كتابة الدستور العراقي، وتعديله على ضوء نتائجها، بما يدعم موقف الدولة ومؤسساتها في وجه التحديات والاستحقاقات المنتظرة أمامها، وأهمها الاستحقاق الانتخابي".
وأشار البيدر إلى أنه "خارجيا تمكن العراق عبر هذه القمة الكبيرة من جمع الأضداد، وأن يشكل حلقة وصل إقليمي، وتمكن من خلالها من طرح مشكلاته وأزماته بشفافية، وبما يوضح للعالم من جهة ما الذي يحدث في العراق بالضبط، كي يتمكن من مساعدته والوقوف معه".
واعتبر أن ذلك "يقوي موقف الحكومة ومؤسسات الدولة، ويكشف من جهة ثانية الذين يعملون على تعطيل مسار الدولة والديمقراطية في البلاد، ومن الذي يقف خلفهم خارجيا"، مضيفا: "كلنا أمل كعراقيين كما هو مفترض حسب التسريبات، أن تتحول هذه القمة لاجتماع سنوي دوري".