تزامن عقد قمة بغداد، بمشاركة 9 دول إقليمية ودولية، مع تزايد التهديدات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط الفترة المقبلة، عقب تداعيات قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان، والحديث عن تموضع القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا.
وأكد البيان الختامي لـمؤتمر بغداد للتعاون والشراكة الذي أنطلق، يوم السبت، على ضرورة توحيد الجهود الإقليمية والدولية بما ينعكس إيجابا على أمن المنطقة واستقرارها، مرحبين بالجهود الدبلوماسية العراقية للوصول إلى مشتركات مع المحيطين الإقليمي والدولي واحتضان بغداد للمؤتمر لما يحقق سياسة التوازن والتعاون الإيجابي في علاقتها الخارجية.
وشدد البيان على دعم المشاركين لجهود الحكومة العراقية في إجراء الانتخابات الممثلة للشعب العراقي، مؤكدا على دعم بغداد في إعادة الإعمار وتثمين دورها في محاربة كافة أشكال الإرهاب.
وأتفق خبراء في تصريحات منفصلة لموقع " سكاي نيوز عربية"، على أن البيان الختامي لقمة الجوار في بغداد هي بداية لتقارب عربي – إقليمي لمواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، واستمرار دعم العراق في مرحلة ما بعد الحرب، مؤكدين صعوبة المرحلة لتنامي التنظيمات الإرهابية وسوء الأوضاع الأمنية في بعض مناطق تواجد تنظيم " داعش" الإرهابي في سوريا والعراق.
وسيط ومقاربة
يرى نعمان المنذر، الباحث السياسي العراقي، أن نتائج القمة تهدف لملء الفراغ المتوقع من جراء قرار الانسحاب الأميركي من المنطقة ويرسم واقع جديد للتعامل مع تطورات المشهدين السياسي والأمني المرحلة القادمة، مشيرا إلى أن العراق يلعب دور الراعي والوسيط للحد من التوترات في الإقليم وهو الأمر الذي يجد دعما واسعا من قبل الدول المشاركة بالمؤتمر.
ويثمن طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، توقيت عقد القمة وأهميتها في طرح قضايا الإقليم، واصفا البيان الختامي بـ "الرؤية الطموحة" لمقاربة عربية مع دول الجوار والإقليم من ناحية لمواجهة التهديدات التي يخلفها الانسحاب الأميركي من أفغانستان، ومقاربة عربية – عربية من ناحية أخرى لتوسع مشروع الشام الجديد ليضم دول أخرى بجانب تحالف "مصر والأردن والعراق" ويسهم في إعمار العراق.
ويعتبر العميد سمير راغب، رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الاستراتيجية، نتائج قمة بغداد ترجمة للتعاون السياسي والإعلامي لدعم العراق سياسيا واجتماعيا ومحاصرة الإرهاب لمشاركة 9 دول إقليمية ودولية كبرى.
مساندة العراق
وركزت كلمات المؤتمر على الدعم المباشر لبغداد في إعادة الإعمار، وهو الأمر الذي أكد عليه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في طموح بلاده لدعم الأطراف للعراق في إعادة البناء في المناطق المتضررة من الإرهاب.
ودعا وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي في كلمته، إلى الوقوف بجانب العراق في المرحلة التاريخية، كما شدد وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان على دعم بلاده لوحدة العراق.
وحملت كلمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، دعوة لمعاونة بغداد وتدشين مرحلة جديدة في بناء العراق، بينما وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون القمة بالنصر للعراق.
ويشدد المنذر على دور الإمارات الريادي في إعادة بناء التراث الثقافي في مدينة الموصل وتعهدها لتقديم أكثر من 50 مليون دولار لإعادة بناء مسجد النوري وكنيسين في إطار مشروع إحياء روح الموصل التي أطلقته الإمارات مع اليونسكو في عام 2019.
ووصف كلمات المشاركين بالترحيب الواسع لدعم العراق اجتماعيا وماديا للمحافظة على مكتسبات مرحلة ما بعد الحرب، منوها إلى أن الرئيس المصري قدم دعوة صريحة للمشاركين للانضمام للتحالف الثلاثي " بغداد وعمان والقاهرة" ما يعني انطلاق مرحلة إعادة إعمار العراق في إطار تحالف الشام الجديد.
دحر الإرهاب
أكد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في المؤتمر، على رفضه لاستخدام العراق ساحة لتصفية الصراعات الإقليمية والدولية والعودة للعلاقات المتوترة والحروب العبثية، منوها إلى أن انتصار الشعب العراقي على تنظيم داعش كان بمثابة انتصار للإنسانية على الإرهاب وجاء نتيجة معاونة الأشقاء والمجتمع الدولي.
ويمثل الإرهاب أكثر التهديدات الراهنة للمنطقة عقب إعلان تنظيم " داعش" الإرهابي، الخميس، مسؤوليته عن الهجوم المزدوج الذي ضرب مطار كابول وأدى إلى مقتل أكثر من 170 شخصا ونحو 120 جريحا.
وقبل أن ينشط داعش في أفغانستان مستغلا طبيعة الظروف الأمنية، كثف هجماته على مناطق الأنبار وبعقوبة وصلاح الدين في العراق ما أسفر عن 19 قتيلا و23 جريحا، إضافة لاستهدافه مواقع عسكرية تابعة للنظام السوري بريف الرقة شمالي سوريا الشهر الماضي.
ويرى فهمي أن التحديات الراهنة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط هي أكثر خطورة عن مرحلة محاربة داعش في نهاية عام 2016، مشيرا إلى أن المنطقة ستشهده موجة جديدة من تمدد التنظيمات الإرهابية من آسيا وهو الأمر الذي يشكل خطورة للتواصل بين تنظيم داعش في سوريا والعراق وتنظيم "داعش – ولاية خراسان" في أفغانستان مستغلا الفراغ الأمني والسياسي في كابل الآن.
ويوضح فهمي أن عملية تموضع القوات الأميركية في العراق أو سوريا يخلق حالة من الفوضى، ما يزيد من أهمية قمة بغداد لوضع ترتيبات أمنية واستراتيجية تتماشى مع معطيات المرحلة الجديدة.
ويجد راغب، أن الوضع في أفغانستان أعاد الروح للتنظيمات الإرهابية بانضمام مقاتلين جدد وعودة الذئاب المنفردة من جانب، والتناحر بين تنظيمي القاعدة وداعش من جانب آخر كمحاولة لإثبات الوجود في مناطق العراق وسوريا ودول الساحل والصحراء بتكثيف الهجمات الإرهابية خارج أفغانستان لاستغلال الأوضاع في الصومال وبوركينا فاسو والنيجر ومالي لتنفيذ مخططه.