اتهم 5 من كبار اختصاصيي الطب الشرعي في السودان، جهات عدلية وصحية بمحاولة طمس الحقائق والأدلة المتعلقة بمئات الجثامين المكدسة في عدد من مشارح الخرطوم، التي يعتقد على نطاق واسع أنها تضم مفقودين وضحايا من مجزرة فض اعتصام القيادة العامة للجيش في الثالث من يونيو 2019، معلنين انسحابهم من لجان التشريح.
ورفض الأطباء الخمسة في بيان، الأربعاء، تحويلهم إلى "أداة لطمس وتضييع حقوق مجهولي الهوية داخل المشارح"، مشيرين إلى "تجاوزات خطيرة" في طريقة التعامل مع هذه الجثامين.
وأوضح بيان اختصاصيي الطب الشرعي أن "خلق العراقيل من إدارة الطب الشرعي، إضافة إلى التضارب في اختيار اللجان ما بين النيابة العامة وهيئة الطب العدلي ووزارة الصحة الولائية، أثر سلبا على سير العمل بالمشارح"، وأشار إلى أن وجود وكيل النيابة المكلف حاليا بمتابعة المشارح واحد من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى انسحاب الأطباء.
طمس الحقائق
عبر البيان عن الخشية من "استخدام الأطباء الشرعيين كأداة لطمس الحقائق، من خلال عملية التغول والتدخل السياسي، عبر فرض نفوذ جهات محددة".
وقال كبير الأطباء الشرعيين في السودان نقيب الأطباء الشرعيين العرب عقيل سوار الذهب لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن "هنالك تدخلات تجعل من المستحيل أداء عملنا بالشكل المهني والأخلاقي المطلوب".
وأبدى سوار الذهب "امتعاضه الشديد من الطريقة التي يتم بها التعامل مع الجثامين المكدسة، مما يؤكد وجود اتجاه لإخفاء الحقائق لمصلحة جهات ما"، مدللا على ذلك بالقول: "دفنت اللجنة المكلفة من النيابة العامة 23 جثمانا من دون أن يتم استكمال عمل الاستعراف، رغم أن بعض تلك الجثامين ورد في تقاريرها الشرعية صراحة التوصية بعدم دفنها".
ويرى سوار الذهب أن "المخرج الأمثل لحل هذه المشكلة الكبيرة يتمثل في وقف عمليات الدفن والتشريح، وتشكيل لجنة من كبار الأطباء الشرعيين المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة والخبرة، للعمل على إعادة تشريح تلك الجثامين بالتعاون مع النيابة العامة ولجان المقاومة".
محاولات خطيرة
وتحذر المحامية والناشطة الحقوقية رنا عبد الغفار من خطورة المحاولات الجارية حاليا لطمس الأدلة، والتسويف عبر اللعب بعامل الزمن وتسريع عمليات دفن الجثامين قبل اكتمال الإجراءات الطبية والقانونية المطلوبة.
وتقول لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "انسحاب كبار اختصاصيي الطب الشرعي في هذه المرحلة الحرجة يؤكد العراقيل الكبيرة التي وضعت أمامهم، وفي مقدمتها إشراك أطباء سبق أن اتهموا بشكل واضح بتزوير نتائج تشريح جثامين ناشطين شباب قتلوا بعد فض الاعتصام، مثل الشهيدين بهاء الدين وودعكر، إضافة إلى المحاولات المتكررة لتغيير ديباجات بعض الجثامين".
وتؤكد المحامية أن "الطريقة التي تتعامل بها النيابة العامة حاليا مع أزمة الجثامين المكدسة في مشارح العاصمة الثلاث، تشير بشكل قاطع إلى مخالفات كبيرة يعاقب عليها القانون الدولي، باعتبارها محاولات متعمدة لطمس حقائق تتعلق بجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يستوجب أقصى العقوبات".
شكوك وتصعيد
وتزايدت الشكوك حول مصير عدد من مفقودي وقتلى مجزرة فض الاعتصام، بعد العثور على 198 جثة مكدسة في مشرحة صغيرة بإحدى المستشفيات وسط الخرطوم، قال ناشطون إنها تضم عددا من جثامين ضحايا مجزرة القيادة والمفقودين خلالها وفي أحداث لاحقة.
ويعتقد عدد من أهالي الضحايا والمفقودين أن الجهات العدلية تعمل بطريقة تثير الشكوك حول الجدية في الوصول إلى الحقائق المتعلقة بفض الاعتصام وأحداث أخرى ارتكبت قبل وأثناء وبعد الثورة التي أطاحت نظام البشير في أبريل 2019.
كما أثار قرار النيابة العامة السودانية بمنع فريق طب عدلي دولي من دخول إحدى المشارح، جدلا كبيرا في الشارع السوداني.
وفي حين تقول النيابة العامة إن أبوابها مشرعة لكل راغب في مساعدة الشعب السوداني، تشير سمية ابنعوف عضو لجنة المفقودين والدة أحد المفقودين إلى أن "ما يحدث من تعامل الآن مع الجثامين المجهولة، يؤكد وجود خلل كبير في الأجهزة العدلية".
وتؤكد ابنعوف لموقع "سكاي نيوز عربية" أن اللجنة ستسعى للوصول إلى الحقيقة، وستعمل على انتهاج كافة الأساليب القانونية، بما في ذلك الاستعانة بمجلس الأمن الدولي واللجنة الدولية للمفقودين.