أعادت حادثة تورط قاضية تونسية في محاولة تهريب نصف مليون يورو، إلى خارج البلاد عبر الحدود الليبية، الجدل بشأن استقلالية القضاء في تونس.
فقد ارتفعت أصوات الحقوقيين والنشطاء للمطالبة بإصلاح المنظومة القضائية وتخليصها من الفاسدين، خصوصا سيطرة تنظيم الإخوان وهيمنة حركة النهضة.
وكانت السلطات قد أوقفت، الثلاثاء الماضي، قاضية متورطة في شبكة لتهريب العملة الأجنبية إلى ليبيا، وقد تم منعها من السفر، بينما تتواصل التحقيقات معها لكشف شبكة التهريب التي تعمل ضمنها.
وقرر مجلس القضاء العدلي في تونس رفع الحصانة عن القاضية المتورطة في تهريب العملة الأجنبية، مؤكدا في بيان إيقاف القاضية عن العمل.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتخذ فيها المجلس قرارا مماثلا، فقد سبق وأوقف القاضي المقرب من حركة النهضة بشير العكرمي في يوليو الماضي، بسبب تورطه في جرائم إرهابية.
يشار إلى أن القاضي العكرمي، وكيل الجمهورية السابق في تونس، والطيب راشد، الرئيس الأول لمحكمة التعقيب، يخضعان للإقامة الجبرية، بعد شبهات الفساد والإرهاب التي تلاحقهما.
كما يواجه قضاة آخرون في تونس تهما بالتورط في مخالفة القانون من أجل تقديم خدمات لحركة النهضة في تونس.
واعتبر المحلل السياسي مراد علالة، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، أن "القضاء يمر بأصعب اختبار له منذ 2011 لكسب ثقة المواطن التونسي من جديد، بعد أن اهتزت بسبب تورط بعض القضاة مع حركة النهضة".
وأضاف: "على أهل القطاع اليوم بذل قصارى جهدهم من أجل بيان أنه لا فرق بين المواطنين إلا بالقانون، وأنه لا أحد فوق القانون، وعليهم ضمان حق المحاكمة العادلة للجميع، وخلق المناخ المناسب لإنقاذ التجربة الديمقراطية في تونس".
وكتب الخبير الدستوري أمين محفوظ، أن تونس "تحتاج إلى إصلاح جذري للقضاء لضمان العدالة".
واعتبر أستاذ القانون سامي بن سلامة، في تدوينة له، أن "القضاء مخترق من الإسلاميين، ويجب مراجعة الانتدابات في المعهد الأعلى للقضاء وإبعاد من التحقوا بسلك القضاء عبر تقديم الرشاوي".
وأشار إلى "تورط القيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري في تدمير قطاع القضاء، وتورط حركة النهضة في ارتكاب جرائم في حق تونس".
ونبه إلى أن "جهازها السري المتورط في العديد القضايا، ومنها الاغتيالات السياسية، كان يتمتع بحماية قضائية".
أما القاضية كلثوم كنو، فقد قالت في تصريحات إعلامية إن السلك القضائي "عاش ضغوطا وترهيبا خلال السنوات العشرة الأخيرة، خاصة من طرف نور الدين البحيري، وزير العدل الأسبق، القيادي في حركة النهضة، عبر إقرار جملة من الاعفاءات في سلك القضاة، وهو ما أربكهم وبث الخوف في صفوفهم".
من جهته، دون النائب عن التيار الديمقراطي هشام العجبوني، قائلا إنه "على القضاة الشرفاء تحمل مسؤوليتهم التاريخية والتحلي بالشجاعة والإرادة لإصلاح قطاعهم، حيث لا إصلاح ولا تغيير حقيقي من دون قضاء قوي ونزيه وفاعل".
واعتبر المحلل محمد ذويب، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، أن "العصابات أحست بالخطر بعد إجراءات 25 يوليو التي أعلنها الرئيس قيس سعيد، وضاق الخناق على الفاسدين من السياسيين ورجال الأعمال، وهم يحاولون تهريب الأموال للخارج والفرار، خاصة مع الحديث عن محاسبة رؤوس كبرى من رجال الأعمال والسياسيين قريبا".
وأكد ذويب على "ضرورة الوقوف بالمرصاد لجرائم تهريب المال، لأنها تخفي وراءها جرائم تهريب سلاح"، داعيا النيابة العمومية للتحقيق مع المتورطين بكل جدية وإيقافهم، لأنهم "يعبثون بأمن الشعب التونسي، مع رفع الحصانة عن كل من يتستر أو يتورط من القضاة على جرائم الفساد والإرهاب"، على حد تعبيره.
وأضاف أن "الحصانة لا معنى لها إذا ما أصبحت غطاء للفاسدين، ووقع استغلالها للتغطية على جرائم الإرهاب والتستر على الفساد. وقد آن الأوان للمساواة بين جميع التونسيين وإن تطلب الأمر تنقيح الدستور الحالي".