تتواصل ارتدادات إعلان مصرف لبنان، في بيان الأربعاء، بشأن احتساب سعر الدولار على الليرة اللبنانية تبعا لأسعار السوق السوداء، كشرطٍ لتأمين الاعتمادات اللازمة المتعلقة بشراء المحروقات.
فقد عمت الاحتجاجات مختلف المناطق اللبنانية، وقُطعت الطرق رفضا لهذا الإجراء. كما أعلن مستشفى المقاصد، الذي تأسس قبل حوالى مئة عام، "عدم قدرته على استقبال المرضى ومعالجتهم، نظرا لانقطاع مادة المازوت وعدم توافر الأدوية الأساسية لمرضى غسيل الكلى، وأدوية التخدير، وغيرها من الأدوية الضرورية لعلاج المرضى داخل المستشفى، وفي قسم الطوارئ".
وبالطبع لن تتوقف الارتدادات عن هذه الحدود في المدى المنظور، فملء خزان سيارة بالوقود أصبح يساوي ضعف الحد الأدنى للأجور بالليرة اللبنانية. وغلاء المحروقات سينعكس على قطاعات حيوية تتعلق بالاستشفاء والدواء والتعليم، كما سترتفع نسبة البطالة مع توقف المصانع.
هذا عدا الغذاء، وتحديدا رغيف الخبز، مع ظاهرة إقفال الأفران أبوابها، ومع فلتان أسعار غالبية السلع الغذائية.
وفي حين استدعى رفع الدعم سلسلة لقاءات عُقدت، يوم الخميس، في مقر رئاسة الجمهورية وفي السراي الحكومي، إلا أنها بقيت من دون نتيجة. وبقى اللبنانيون مهددين بمصير مجهول في غياب أي خطة إنقاذية توقف مفاعيل هذا القرار، بانتظار المزيد من التقهقر الإقتصادي والاجتماعي.
ليس حلا
لكن الدعم المرفوع لم يكن الحل لأزمة المواطنين، إذ يوضح الخبير الاقتصادي والمالي، الدكتور توفيق كاسبار لـ"سكاي نيوز عربية"، أن "المشكلة الأولى في كون الدعم لا يصل إلى جميع اللبنانيين، إذ يستفيد منه النظام السوري والمهربون.
أما المشكلة الثانية فهي أن هناك كمية محدودة من الدولارات، والمسؤولون الذين يعرفون ذلك، لم يضعوا خطة للعمل بعد نفاد هذه الكمية في ظل الأزمات المتفاقمة".
أما لجهة رفع الدعم، يقول كاسبار "يجب ألا ننسى نسبة البطالة في صفوف اللبنانيين، كذلك نسبة الذين يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية، بالتالي فإن رفع الدعم سيضر بأكثر من نصف الشعب اللبناني. وسينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والسياسي مع التضخم الذي سيؤدي إليه".
لم يفعلوا شيئا!
ولفت إلى أن الانهيار بدأ منذ سنة وعشرة أشهر، وجريمة السلطة السياسية أنها لم تفعل شيئا لمواجهة الأزمة. هذا انتحار. وتحديدا لأن الأساسيات الحياتية في لبنان من محروقات ودواء وغذاء لا يمكن شراؤها إلا بالدولار. والمعيب أن المسؤولين اللبنانيين هرَّبوا أموالهم بالمليارات في الخارج، ولا همّ لديهم إذا انفجر الوضع أكثر فأكثر. فهم لا يبالون حتى لو وقع إنفجار نووي في لبنان"، ويشير إلى أن "الحل لا يكون الا عبر برنامج مع صندوق النقد الدولي يترافق وخطة إصلاح".
من جهته، يرى المشرف على "مرصد الأزمة" التابع للجامعة الأميركية في بيروت، وأستاذ السياسات والتخطيط فيها، الدكتور ناصر ياسين، في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن "طريقة الدعم، كانت عشوائية وغير مستدامة وغير منطقية ويستفيد منها الغني كما الفقير.
والأهم من ذلك، بحسب الباحث، أنها كانت من مصرف لبنان وليس في إطار سياسة اقتصادية للدولة. وفي البداية كانت ممكنة لأن الفرق بين سعر صرف الدولار الرسمي ودولار السوق السوداء لم يكن كبيرا، لكن عندما تطور الانهيار وفي غياب خطة إصلاح إنقاذية أصبحت مستحيلة".
ويشير ياسين إلى أن "رفع الدعم ضروري، ولكن ليس بالطريقة الفوضوية التي حصل فيها، إذ كان المطلوب أن يتم بطريقة تدريجية وأن يستغرق وقتا ليتمكن اللبنانيون من احتمال آثاره، وأن يقترن بخطة لدعم المستحقين فقط، سواء من خلال تأمين النقل المشترك، أو من خلال ترشيد القطاعات التي كان يشملها".
ويرى ياسين أن "المشكلة لدى السلطة السياسية وفسادها وسوء إدارتها للقطاعات التي ترتبط ارتباطا مباشرا بحياة الناس. مما خلق أسواقا موازية وسلطات موازية. وكأن الإدارة المدنية التي كانت سائدة خلال الحرب الأهلية في ثمانينات القرن الماضي عادت".
وأشار إلى عودة شبكات غير رسمية مرتبطة بأحزاب الحرب الأهلية وأجنحتها الأمنية لتثبت حضورها وتدير القطاعات الحيوية، مما فاقم من تراجع القوى الأمنية الشرعية التي تنازلت عن دورها ليحل محلها "قبضايات" المناطق الذين يسيطرون على الحيز الجغرافي لأماكن نفوذهم، ويمسكون بقطاعات يمكن الاستفادة منها واستثمارها في الانتخابات النيابة المقبلة وفي إيجاد مصادر جديدة للتمويل وفي السيطرة الأمنية مع عودة السلاح إلى الظهور تماما كما كانت الحال في الحرب الأهلية".