أعادت الاشتباكات المتكررة في الأسابيع الأخيرة بين الميلشيات في غرب ليبيا، وإعلان وزارة الدفاع التركية عن استمرارها في تدريب هذه الميليشيات، التساؤلات حول الصعوبات التي تنتظر ليبيا إذا لم يتم تفعيل قرارات مؤتمر "برلين 2" الخاصة بحل الميليشيات ورحيل القوات الأجنبية، لتأمين الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة بعد 5 أشهر فقط.
وفي اليومين الأخيرين استخدمت الميليشيات الأسلحة الثقيلة والمتوسطة في اشتباكات بينها، حيث شهد الطريق الساحلي الماية - الزاوية معارك عنيفة بين ميليشيات محمد البحرون الملقب بـ"الفار" تابعة لمدينة الزاوية، وميليشيا يرأسها معمر الضاوي تابعة لمدينة ورشفانة، بمنطقة الماية غرب العاصمة طرابلس.
وقال سكان محليون ومصادر أمنية إن هذه المعارك أسفرت عن سقوط قذائف هاون على المنازل والأحياء السكنية.
ألوان الميليشيات
وتنتشر الميليشيات في غرب ليبيا على أنواع، منها المؤدلج دينيا مثل التابعة لتنظيم الإخوان الإرهابي، وأخرى نشأت على أساس عرقي ومناطقي مثل ميليشيات الأمازيغ، ونوع ثالث تأسس لأسباب إجرامية بحتة كعصابات مسلحة، مثل مليشيات الإتجار بالبشر، وتهريب المهاجرين غير الشرعيين، وتهريب المخدرات والسلاح، وقطع الطرق، وغيرها من جرائم.
وتغيرت خريطة تواجد الميليشيات في المدن عدة مرات بعد اندلاع الفوضى الأمنية في 2011، ففي البداية انتشرت شرق وغرب ليبيا، وقسمت المناطق فيها على أساس الولاءات القبلية والسياسية.
وتغير الأمر بعد عملية "فجر ليبيا" التي نفذها ائتلاف ميليشيات يحمل نفس الاسم تابع لتنظيم الإخوان في 2014 ضد الجيش الليبي والسكان، انتقاما من خسارة مرشحي الميليشيا في الانتخابات التشريعية.
وحينها رد الجيش الوطني الليبي، انطلاقا من بنغازي شرق ليبيا، بعملية "الكرامة" التي طهرت شرق البلاد من ميليشيا "مجلس شورى مجاهدي بنغازي"، و"مجلس شورى مجاهدي درنة"، وكاد أن يطهر العاصمة طرابلس غربا في 2019 لولا تدخل عدة دول إلى جانب حكومة فايز السراج التي تحمي الميليشيات آنذاك.
ومنذ ذلك الوقت أصبحت المنطقة الغربية تحت سيطرة ميليشيات تنظيم الإخوان الإرهابي والجماعة الليبية المقاتلة بالدرجة الأولى، وبعد عملية الجيش الليبي لمحاولة استرداد طرابلس، تحالفت الميليشيات في جبهة واحدة لمحاربة الجيش تحت إشراف تركيا.
أبرز الميليشيات
والميليشيات لفظة دخيلة على الحياة السياسية الليبية، انتشرت بعد 2011 حين ظهرت جماعات مسلحة بزعم أنها تتمركز في الأحياء لـ"حفظ الأمن"، وحتى زوال نظام حكم الرئيس معمر القذافي، إلا أنه بعد مقتل القذافي لم تحل نفسها، بل زاد تسليحها وعددها، وأصبحت المسيطر على العديد من مؤسسات الدولة، ومن أبرز هذه الميلشيات:
ميليشيات مصراتة
هي أكبر ميليشيات عددا ونفوذا، يمتد نفوذها من مدينة السدادة شرقي مصراتة بحوالي 80 كيلومترا إلى مدخل العاصمة طرابلس، تحديدا مدينة القرابللي، ولها طابع عقائدي متطرف حيث تدين بالولاء للمفتي المعزول صادق الغرياني، المعروف بتحريضه على قتال الجيش الليبي، وتضم تحالف من ميليشيات لواء الصمود وكتيبة الحلبوص والقوة الثالثة شاريخان وكتيبة الطاجين وميليشيا 166، وكلها موالية لتركيا التي توفر لها الأسلحة خاصة الثقيلة.
ميليشيات الزاوية
شكلت ميليشيات هذه المدينة تحالفا كبيرا أطلقوا عليه اسم "البحث الجنائي"، ضم ميليشيا غرفة الثوار، والنصر، والفار، والأبح، والسلوقي والبيدجا، بالإضافة إلى ميليشيا مدينة صبراتة بقيادة أحمد الدباشي.
ميليشيا الأمازيغ
عبارة عن جماعات مسلحة ليس لها نفوذ خارج مناطقها، وقليلة العدد والعتاد كالتي تتواجد في الجبل الغربي، وأكبرها في مدن نالوت وجادو، بالإضافة لمدينة زوارة الساحلية القريبة من حدود تونس، ولم تدخل تحالفات حتى الآن، وأسلحتها خفيفة، وتطلق على نفسها "القوة الوطنية المتحركة".
اصطفاف الميليشيات
ومؤخرا عقدت الميليشيات تحالفات جديدة، فشكلت ما يمكن تسميته بجهاز أمني كبير لإضفاء الشرعية على وجودها، ويبحث قادتها الآن عن دور في العملية السياسية المقبلة.
ومن هؤلاء القادة غنيوة الككلي ومعمر الضاوي وعلي أبو زريبة وهيثم التاجوري وأيوب أبو راس، المتحالفين فيما يسمى بـ"جهاز دعم الاستقرار"، وهي تلك الميليشيا التي اشتبكت، الجمعة، بالأسلحة الثقيلة مع ميلشيا أخرى في منطقة الماية ــ الزاوية.
ومن ناحيتهم شكل قادة الميليشيات محمد الفار ومحمد القصب وعثمان اللهب قادة ميليشيات تتمركز في مدينة الزاوية ما يسمى بـ "جهاز البحث الجنائي".
وهذه الميليشيات لديها أسلحة ثقيلة ومتوسطة، مثل قذائف الهاون التي ظهرت في الاشتباكات التي افتعلتها خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار، أو لنشر الفوضى وتعطيل الانتخابات، أو لابتزاز الحكومة، أو خلال صراع الميليشيات على النفوذ.
مصادر التسليح
أول الأسلحة التي وقعت بأيدي الميليشيات هي التي سطت عليها من مخازن الجيش وقت اندلاع احتجاجات 2011، وزاد عددها بصفقات السلاح التي أبرمتها حكومتا عبد الرحيم الكيب سنة 2012 وحكومة علي زيدان في 2013، على يد مسؤولين فيها ينتمون لتنظيم الإخوان، وجلب هؤلاء السلاح من تركيا وقطر، وسقطت في يد الميليشيات، كون بعضها منضوي تحت لواء وزارة الداخلية ووزارة الدفاع آنذاك.
وفي السنين الأخيرة، بات تهريب السلاح عبر البحر المتوسط إلى غرب ليبيا، المصدر الأساسي للسلاح.
وسبق أن أعلنت اليونان عدة مرات منذ 2013، ثم الجيش الوطني الليبي عقب تأسيسه في 2014 عن ضبطهم المتكرر لسفن محملة بالأسلحة تتبع تركيا وتستهدف نقل السلاح إلى موانئ غرب ليبيا.
الاعتراف التركي
خلال احتفالية أقامتها السفارة التركية في طرابلس والقنصلية في مصراتة بذكرى فشل "الانقلاب المزعوم" على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اعترف السفير التركي، كنعان يلماز، بأن بلاده قدمت جنودا قتلوا خلال معارك الميليشيات ضد الجيش الليبي في 2019.
وأكد، بحسب مراسل "سكاي نيوز عربية"، استمرار بلاده في دعم المليشيات الموجودة في طرابلس- التي تعتبرها "جنودا ليبيين"، قائلا إنه "من حق تركيا تقديم الدعم العسكري لها بناء على اتفاق التعاون الأمني والعسكري"، في إشارة منه إلى الاتفاقية التي وقعتها حكومة السراج 2019 مع أنقرة، بدون موافقة البرلمان الليبي.