تحولت منطقة البوعيثة جنوبي العاصمة العراقية بغداد، إلى وكر للمجموعات العسكرية، والفصائل المسلحة، بسبب طبيعتها الجغرافية، وما تضمه من قصور كانت سابقا تابعة لنظام صدام حسين.
تطل هذه المنطقة على نهر دجلة، وتمتد من معسكر الرشيد، وصولاً إلى أقصى جنوبي العاصمة، في محاذاة مناطق اليوسفية، والصويرة، بمساحات شاسعة، وبيئة مقعدة، وتعرضت خلال السنوات الماضية، إلى إرهاب الجماعات المسلحة، مثل تنظيم القاعدة، وداعش.
وخلال الأشهر الماضية، برز اسم المدينة إلى العلن بشكل أكبر، إذ أكد الضابط احمد الكناني، المتورط بعملية اغتيال الباحث في الشأن الأمني، أن انطلاق عصابة الاغتيال كانت من تلك المنطقة.
ومنذ سقوط نظام صدام حسين، تحولت هذه المنطقة الزراعية، التي تقطنها عشائر كبيرة، مثل الجبور، والبوعيثة، إلى مأوى لعناصر تنظيم القاعدة، حيث تمكن أهالي تلك المناطق، من طرد التنظيم بالتعاون مع قوات التحالف الدولي، التي أطلقت مشروع الصحوات، في تلك المناطق، وهو ما انعكس سريعاً على الوضع الأمني في العراق، حتى عام 2012، قبل أن يُنهي رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، هذا المشروع، ويحيل عناصره إلى وظائف مدنية، وتجريدهم من السلاح.
دخول الفصائل
وبعد سقوط عدة محافظات عراقية، بيد تنظيم داعش، عام 2014، كانت تلك المنطقة هدفاً مرصوداً لعناصر التنظيم المتشدد، حيث مارسوا أعمال التهجير، والاغتيالات فيها، قبل أن تدخلها الفصائل العسكرية، والمليشيات، وتحوّلها إلى معسكر كبير.
وتنشط كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وكذلك سرايا عاشوراء، في تلك المناطق، حيث تحتل عدة مواقع وبساتين زراعية، كانت تعود لأقرباء صدام حسين، إذ حولتها إلى مواقع لتخزين الأسلحة وتصنيعها، والتخطيط لعمليات عسكرية، واستهداف البعثات الأجنبية، وغيرها.
ومع مجيء حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، أصبحت تلك المناطق على رادار الرصد، حيث تم في يونيو العام الماضي اعتقال ما عرف حينها بـ"خلية الكاتيوشا" التابعة لـ"كتائب حزب الله"، وما جرى حينها من أحداث اقتحام المنطقة الخضراء، بهدف إطلاق سراح المعتقلين.
وقال مصدر أمني عراقي، إن "تلك الفصائل تمتلك نحو عشرة مواقع ومقرات داخل تلك المنطقة، بعضها يمتد على مساحات شاسعة، وأخرى، تمثل أماكن سرية لخزن السلاح، والعتاد، وتصنيع بعض أنواع الصواريخ، بمساهمة من بعض الخبراء، بعيداً عن عين السلطات الأمنية، فضلاً عن تشغيل مكاتب الهيئات الاقتصادية، في مختلف القطاعات".
ويرى المصدر الذي طلب حجب اسمه لـ"سكاي نيوز عربية" أن "سبب اختيار تلك المنطقة، بسبب طبيعتها، وكذلك بعدها النسبي عن أعين الرصد، أو القوات الأمنية، إذ لا يمكن لقوة أمنية، دخولها، إلا بعد التنسيق، مع المجموعات المسلحة، الموجودة هناك".
ولفت إلى أن "تلك المجاميع لديها مكاتب اقتصادية تدير أعمالها، مثل بيع قطع الأراضي، ومنع دخول مواد البناء إلى المنطقة، إلا بدفع رشاوى، مستفيدين بذلك من منع قيادة عمليات بغداد، دخول مواد البناء لأسباب فنية، فضلاً عن تحصيل موارد أخرى جرّاء الاعتقالات، وإطلاق سراحهم عقب ذلك مقابل مبالغ".
وأكد أن "تحركاً حكومياً، من المفترض أن تشهده تلك المحمية قريباً لتصفية أوضاعها، ومنع دخول المجموعات المسلحة إليها، وحصر ملفها الأمني بيد قيادات الجيش والشرطة المحلية".
تسلط وإتاوات مالية
ولدى تلك المجموعات تجارب سابقة، في تحويل بعض المدن المهمة، والاستراتيجية، إلى مقرات كبيرة، ومواقع عسكرية، كما حصل مع مدينة جرف الصخر، في شمال محافظة بابل، التي تخلو من سكانها، منذ عام 2014، وتسيطر عليها بكل تام، كتائب حزب الله، فيما تسعى تلك الجماعات، إلى إدخال مناطق أخرى، ضمن سياستها الإقصائية، خاصة مناطق حزام بغداد، مثل مدينة الطارمية، شمالي العاصمة.
ويشكو مواطنون على الدوام من تسلط تلك المجموعات، على موارد رزقهم، وتحكمها في الملف الأمني، لتلك المناطق، ونهمها المتواصل في بناء المواقع العسكرية، والتوسعة فيها، ونصب نقاط التفتيش، والتضييق على السكان المحللين، خاصة وأن المدن خالية من الإرهاب وخلايا تنظيم داعش، ولم تتعرض منذ سنوات إلى أية هجمات "داعشية".
وتقول تلك المجموعات في معرض ردها على وجودها في هذه المنطقة إنها ضمن هيئة الحشد الشعبي الرسمية، ووجودها معلوم، ويخضع للسياقات الأمنية، والعسكرية، وهو ما يشكك فيه معنيون وإداريو تلك المناطق.
وقال الزعيم القبلي، أحمد العيثاوي، إن "وجود تلك المجموعات غير ضروي لمناطقها، ومن الأفضل سحبهم إلى جبهات القتال، فهناك ممارسات تسيء للسكان، وتتحكم في مقدراتهم المالية والاقتصادية، فضلاً عن وجود تسلط لبعض تلك المجموعات عبر نشاطها الاقتصادي، وتحصيل المكاسب بطرق ملتوية وغير مشروعة، وهو ما خلق استياءً عاماً منذ سنوات، بل تسبب بهجرة بعض السكان، إلى المدن، التي تقل فيها سطوة المليشيات".
ويضيف العيثاوي، لـ"سكاي نيوز عربية" أن "عدة طلبات رُفعت إلى قيادة عمليات بغداد، والقائد العام للقوات المسلحة، بضرورة النظر بنشاط المجموعات المسلحة في مناطقنا، التي تلطخت سمعتها، لارتباطها، بجريمة اغتيال الراحل هشام الهاشمي، وهو ما يسيء لتلك العشائر العربية، وأهاليها"، لافتاً إلى أن "على الحكومة والوجهاء التحرك سريعاً قبل فوات الأوان، وإنهاء الوضع الحالي".