على مدار الأسابيع الماضية عملت مصر على قدم وساق لتنفيذ البرنامج الوطني لإنتاج البذور، الذي أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي، بهدف تحقيق مستوى فائق الجودة من البذور، من حيث الكمية الإنتاجية والنوعية المتميزة ومقاومة الأمراض.
مؤخرا، اجتمع السيسي مع رئيس مجلس الوزراء وعدد من المسؤولين عن المشروع، لرصد ما تم تحقيقه على أرض الواقع في المشروع، موجها بتعزيز جهود إنتاج هذه البذور من أجل تحسين جودة الإنتاج الزراعي، وتقليل فاتورة الاستيراد من الخارج.
"مشروع مثالي"
واعتبر مدير معهد بحوث البساتين، الدكتور محمد جبر، أن المشروع "مميز للغاية للدولة المصرية، حيث سيضعها في مكانة أخرى عالمية من حيث إنتاج البذور المميزة والمناسبة لذوق المستهلك المصري".
وتابع في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية": "الجهود كانت متفرقة خلال السنوات الماضية، ولم يكن هناك مردود كبير للمجهود والأموال التي يتم صرفها، لذلك كان التوجه وفقًا للأرقام الكبيرة الخاصة باستيراد التقاوي، أن تكون هناك وقفة حاسمة في هذا الملف، وتعظيم للقدرات المصرية".
وتساءل مدير معهد بحوث البساتين وأحد المسؤولين عن البرنامج القومي لإنتاج تقاوي البذور، عن مدى تواجد القدرات المناسبة لإنتاج مثل تلك التقاوي ذات الإمكانيات المرتفعة.
وقال: "من الناحية العلمية والقدرات والتقنيات المطلوبة، لدينا كل ما يلزم لنجاح المشروع بشكل مثالي، يظل الباقي هو تنسيق الجهود لكي يكون في النهاية برنامجا بأهداف محددة في نطاق فترة زمنية، لتحقيق التعويض بالناتج والتقاوي المحلية".
"صراع دولي"
واستطرد الرجل حديثه موضحا: "لا نريد أن نكون تحت رحمة أي صراع دولي، فمن الممكن أن يوقف المستورد التقاوي، حينها سيكون الأمر متعلقًا بالأمن القومي، وهذه النقطة يجب وضع خطوط كثيرة تحتها، إلى جانب أن الاستيراد يتم وفق رغبات ومواصفات الجانب الأجنبي، لأن بذوره تناسب ذوق المستهلك، وهم يحبون أن تكون الأشياء لاذعة وحمضية، وأن تكون فيها بعض المرارة".
وتابع: "المصريون يحبون دوما المنتج البلدي والفاكهة والخضروات الصغيرة، وهذا الذوق يختلف كليا عن الذوق الأجنبي، لذلك فعند الاستيراد يكون هناك تعارض بين الاثنين، وبالتالي فإن المشروع سينتج الثمرة وفقًا لذوق المستهلك المحلي، وسيكون هدفه هو زيادة الرفاهية بما يتناسب مع ما يحب تناوله".
أرقى المعايير
يدعم "البرنامج الوطني لإنتاج البذور ذات الجودة العالية" خطة الدولة لـ"إرساء دعائم التقدم التكنولوجي في قطاع الإنتاج الزراعي المحلي، لتوفير أفضل المنتجات الزراعية للمواطنين، وفق أرقى المعايير والمواصفات الصحية والغذائية، بالشراكة مع الخبرات الأجنبية المتقدمة في هذا المجال".
وأردف أحد المسؤولين عن البرنامج القومي لإنتاج تقاوي البذور: "عندما وضعنا الخطة الخاصة بالمشروع، كانت هناك أرقام نسعى لتحقيقها، وهي تغطية 50 بالمئة من الإنتاج خلال 5 سنوات، لأن من الصعوبة تغطية 100 بالمئة، والسبب هو اختلاف ذوق المستهلك الأجنبي عند التصدير".
وعن الخطة، نوه مدير معهد بحوث البساتين في حديثه مع موقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "إنتاج أصناف وهجن مخصصة للتصدير، بحيث يكون المنتج النهائي يتوافق مع المستهلك الأجنبي، ويكون حينها بداية من البذرة وحتى الثمرة تم على أرض مصر وبأفضل المعايير والمواصفات العالمية".
تقليل فاتورة الاستيراد
في الوقت نفسه، قال المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير بسام راضي، في تصريحات تلفزيونية، إن دول العالم تتجه إلى تطوير الإنتاج الزراعي، خاصة انتقاء البذور عالية الإنتاجية وذات الجودة المرتفعة، لا سيما وأن الدولة تسعى لتقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز الصناعات المحلية.
وأشار راضي إلى أن هناك بذورا من الممكن أن تحقق مردودا يضاعف من إنتاجية الفدان، مثل القمح، تم استحداث فيه بذور خلال السنوات الماضية "مصر1 ومصر2" لتعطي إنتاجا مضاعفا للفدان، يتواكب مع اتجاه الدولة لتعظيم الإنتاج الزراعي، كما أن هناك خطة قومية لإضافة رقعة زراعية كبيرة في مصر.
وأكد المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أن هناك أكثر من 2 مليون فدان جاري إضافتها للرقعة الزراعية في منطقة الدلتا الجديدة وتوشكى وغيرها من المناطق، مما يصب في منظومة الإنتاج الزراعي وتعظيم القدرات الموجودة.
التصدي لـ"مافيا التقاوي"
ويقول أستاذ الخضر بكلية الزراعة في جامعة دمياط، محمد السعيد، إن "المشروع مهم للغاية، وسيساهم في تعظيم المنتج المحلي من الخضروات والفاكهة، بجانب أنه سيُبعد ضعاف النفوس المتربحين من مافيا التقاوي، وسيحد من تواجدهم في السوق المصري".
وتابع لموقع "سكاي نيوز عربية": "مصر تستورد تقريبا أكثر من 90 بالمئة من التقاوي، وهو رقم كبير للغاية على دولة لها إنتاجية كبيرة على المستوى الزراعي وتُصدر منتجاتها المختلفة لبلدان العالم، لذلك فهذا المشروع يعد واحدا من المشاريع العملاقة التي ستضع الزراعة في مكانة متميزة للغاية خلال السنوات المقبلة".
ونوّه أستاذ الخضر بكلية الزراعة جامعة دمياط إلى أن "هناك أهمية كبرى للمشروع، وهي منع تحكم الأسواق الخارجية في الأسعار وفي نوعية المنتج المسموح لنا الحصول عليه، فالمشروع سيعمل على توفير المنتج الذي يناسب الظروف المصرية من حيث المناخ والاحتياج السوقي للمستهلك".
عودة القطن "طويل التيلة"
وطالب السعيد بالعودة إلى "سابق عهد الزراعة المصرية في إنتاج المحاصيل التي تتميز بها التربة المصرية، كالقطن طويل التيلة الذي لا يناسب أي مناخ في العالم ولا تستطيع أي دولة إنتاجه سوى مصر، بجانب تعظيم المساحات المزروعة ورفض وتغليظ العقوبات الخاصة بالبناء على الأراضي الزراعية، لصد محاولات البناء المخالف وتبوير الأراضي".
وأردف: "السيسي وفر كل المستلزمات لإنجاح المشروع، ومصر لديها عدد كبير من معاهد البحوث والأساتذة المتخصصين في الزراعة، وجميعنا نتمنى الخدمة في أي وقت لتخريج أفضل أنواع التقاوي وفقًا للمواصفات القياسية والعالمية".
مناقشات برلمانية
ومن داخل قبة البرلمان المصري، أشار رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس النواب، النائب هشام الحصري، إلى أن "المشروع كان مطلبا للجنة خلال الفترة الماضية، لأنه كانت هناك أزمة كبرى لدى مصر في توفير العملة الصعبة، بخلاف أن بعض البذور التي كان يتم استيرادها لم تكن بالكفاءة والمواصفات المطابقة للبيئة المصرية".
وتابع لموقع "سكاي نيوز عربية": "كانت هناك مناقشات عديدة خلال الفترة الماضية في البرلمان حول المشروع الوطني لإنتاج البذور، وخلال الأيام المقبلة ستكون هناك مناقشات أخرى، ليخرج المشروع بأفضل شكل ممكن، وتستفيد به الدولة المصرية بالشكل الأمثل".
ونوه رئيس لجنة الزراعة والري بمجلس النواب، إلى أن السيسي أعلن منذ افتتاح مشروع "الصوب"، تبنيه لهذا المشروع "نظرا لأهميته القصوى للزراعة المصرية، ويتم التنسيق حاليا مع بعض الشركات العالمية المتخصصة في هذا الأمر، بالتعاون مع وزارة الزراعة المصرية ومركز البحوث الزراعية لكي يخرج المشروع في أفضل صورة".