حلت الأربعاء الذكرى السنوية الرابعة لما باتت تعرف في مصر بـ"ملحمة البرث"، التي تجسد معركة الجيش المصري في مواجهة التنظيمات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء.
وأطلق على "ملحمة البرث" هذا الاسم نسبة إلى موقع عسكري يقع في منطقة قرب مدينة رفح المصرية في شمال سيناء.
وتحظى "ملحمة كمين البرث" بخصوصية خاصة ضمن عمليات الجيش المصري في السنوات الأخيرة ضد العناصر الإرهابية في سيناء، لتفاصيلها المروعة، وشدة الهجوم الذي تعرض إليه الموقع، سواء لجهة أعداد العناصر الإرهابية المشاركة فيه وكذلك لجهة تسليحهم والسيارات المفخخة المستخدمة في محاصرته.
وأيضا لما تضمنته من استبسال العسكريين المصريين في المواجهة على مدار عدة ساعات حتى وصول الإمدادات الجوية.
وعلى مدار نحو 4 ساعات متواصلة من الصمود، أظهر الضباط والجنود المصريون صلابة حرمت العناصر الإرهابية من السيطرة على الموقع أو أسر أي من العسكريين، بعد أن حاصرت تلك العناصر الموقع، محاولة منع وصول الإمدادات عبر الألغام والسيارات المفخخة شديدة التدريع.
كانت العناصر الإرهابية تستهدف السيطرة على"البرث" ذي الموقع الاستراتيجي، ورفع علم تنظيم داعش عليه، في محاولة لتحقيق انتصار -إعلامي على الأقل- يروجون من خلاله لسيطرتهم وحضورهم وإبراز واستعراض قوتهم المزعومة.
وقد شارك في الهجوم بعض من الضباط المنشقين عن وزارة الداخلية الذين انضموا إلى التنظيم الإرهابي.
وتعتبر منطقة البرث نقطة استراتيجية مؤثرة، تشكل عائقاً أمام تسلل العناصر الإرهابية، وقطع الإمدادات إليهم، ومن ثم كانت هناك محاولات مختلفة لاستهداف تلك النقطة التي تربط وسط سيناء برفع والشيخ زويد.
وبدأ الهجوم في 7 يوليو من عام 2017، في الساعة الرابعة فجراً وعبر نحو 150 عنصراً مقاتلاً تابعاً لتنظيم داعش الإرهابي، وباستخدام نحو 12 سيارة كروز مُدججة بالأسلحة المختلفة، بداية من الأسلحة الخفيفة وقذائف "آر بي جي" وهاون، فضلاً عن المفخخات والقنابل اليدوية.
السيارات المفخخة
استخدمت العناصر الإرهابية في بداية الهجوم سيارة مفخخة جرى تمويهها داخل إحدى المزارع، من أجل اختراق الموقع ، بينما بدأت القوات في التعامل معها على الفور، إلا أن السيارة ومع شدة تدريعها ومع إطلاق النار انفجرت قرب الموقع، بينما كانت بقية العناصر الإرهابية تُطوق الكمين، محاولة في الوقت نفسه منع وصول الإمدادات إليه بأي شكل، من خلال زرع الألغام.
اعتمدت العناصر الإرهابية في الهجوم على السيارات المفخخة من أجل اختراق التحصينات الأمنية بالتمركزات المستهدفة ومواجهة القوات التي أبدت ثباتاً منذ اللحظة الأولى للهجوم.
ومنذ إبلاغ قائد الكتيبة المقدم أركان حرب آنذاك أحمد صابر منسي، قيادة الجيش بتعرض الموقع لاهجوم، وحتى وصول الدعم الجوي، واصل العسكريون المصريون الذود عن الموقع واصطياد العديد من العناصر الإرهابية.
ولم يكن المنسي منكفأ على نفسه في داخل الموقع، بل شارك جنوده في التصدي للدواعش، فكان يطلق النار من على سطح المبنى المحاصر صوب الإرهابيين، حتى قتل برصاص أحدهم، في مشهد بطولي، وثقته الدراما المصرية في مسلسل "الاختيار 1" الذي عرض في رمضان 2020.
الدعم الجوي
على مدار ساعات متتالية منذ بدء الهجوم وحتى وصول الدعم، تصدت قوات الكتيبة "103" من الصاعقة المصرية للعناصر الإرهابية، فيما تعرضت قوات الدعم التي تحركت لإنقاذ المحاصرين إلى هجمات بالألغام والسيارات المفخخة، حتى وصول الدعم الجوي.
ومع وصول مقاتلات سلاح الجو المصري، شرعت في قصف العناصر الإرهابية واصطيادهم، حتى تمكنت من إيقاع أكثر 40 قتيلاً في صفوف العناصر الإرهابية، فيما لاذ من استطاع منهم النجاة بالفرار، ليتم استهدافهم في عمليات تمشيط واسعة أجرتها القوات المسلحة وقوات الداخلية بعد ذلك.
كانت أوامر المنسي خلال المعركة لجنوده بحماية بعضهم البعض، وعدم ترك أي منهم جثة زميله حال مقتله حتى لا تتعرض للتمثيل بها على يد تلك العناصر الإرهابية، فكان غالبية من قتل في المعركة من أبطال المعركة قابضين على أسلحتهم أو داخل معداتهم العسكرية، فيما لم تستطع العناصر الإرهابية حمل ولو جثة واحدة لأي من الأبطال، وفروا هاربين تاركين جثث زملائهم التكفيريين ممن تم اصطيادهم في تلك المعركة.
وأمام بسالة الجنود المصريين، فشلت العناصر الإرهابية في تحقيق هدفهم من الهجوم وهو احتلال التمركز الأمني وتدميره بالكامل ورفع علم داعش لتحقيق انتصار نوعي.
بطولة وثبات
يقول الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء نصر سالم: "الإرهابيون كانوا يحاولون أسر أي من عناصر القوات المسلحة المصرية في الهجوم واحتلال الكمين وتدميره، لكن أمام بطولة وثبات القوات فشلوا في ذلك".
ويشير رئيس جهاز الاستطلاع الأسبق، والمستشار بأكاديمية ناصر العسكرية، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى خصوصية تلك الملحمة بشكل خاص، مع ما شهدته من تفاصيل، لا سيما مع الأعداد الكبيرة للعناصر الإرهابية المشاركة في الهجوم الإرهابي والذين يمثلون أضعاف الجنود الموجودين في ا الموقع العسكري.
ورأى سالم من ما يخص تلك المعركة "أن أبطال القوات المسلحة المصرية قاتلوا حتى آخر نفس وأنزلوا خسائر كبيرة جداً في صفوف الإرهابيين، ولم تستطع العناصر الإرهابية تحقيق أهدافها والسيطرة على الكمين أو أسر أي من القوات".
وتابع: "ملحمة كمين البرث - التي استشهد وأصيب فيها 26 فرداً من القوات المسلحة المصرية لدى صد الهجوم الإرهابي- هي ملحمة تاريخية تنضم لقصص بطولات القوات المسلحة المصرية".
ويشير أن "الدفاع عن أرض الوطن هو دين على كل مصري وكل مواطن حر، وأن ما قدمه منسي ورفاقه الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم فداءً للوطن دليل على ذلك".
مواجهات تالية
الملحمة كانت بمثابة بداية مرحلة أخرى قوية في المواجهة مع التنظيمات الإرهابية بسيناء تمكنت خلالها القوات المسلحة بالتعاون مع الشرطة المدنية وأهالي سيناء من القضاء على عدد كبير من البؤر الإرهابية وفرض الأمن والاستقرار في تلك المنطقة المشتعلة والحافلة بالعمليات الإرهابية في وقت سابق.
ونفذت القوات المسلحة وقوات الداخلية عمليات متواصلة، وفرضت قوات إنفاذ القانون مباشرة -وبالتعاون مع القوات الجوية- طوقاً أمنياً من أجل محاصرة العناصر المشتركة في الهجوم والتي تمكنت من الفرار، وذلك في المناطق المتاخمة لمحيط الهجوم.
شهدت تلك العمليات تنفيذ عدد من الضربات الناجحة التي استهدفت التجمعات الإرهابية، كما أن وزارة الداخلية أعلنت من جانبها عن مقتل 14 عنصراً من المشاركين في العملية في شمال سيناء أثناء مداهمة أمنية لأحد المعسكرات الإرهابية في محافظة الإسماعيلية بعد أن هربوا إليها. وقد تم تنفيذ تلك المداهمة بعد توافر معلومات لقطاع الأمن الوطني تتضمن اضطلاع مجموعة من الكوادر الإرهابية بمحافظة شمال سيناء بإعداد معسكر تنظيمى لاستقبال العناصر المستقطبة.
وإلى جانب العقيد أحمد منسي، سقط في تلك المعركة عدد من العسكريين المصريين هم: النقيب أحمد عمر الشبراوي، والملازم أول أحمد محمد محمود حسنين، الملازم أول خالد محمد كمال المغربي، والعريف محمد السيد إسماعيل رمضان.
والجنود: محمود رجب السيد فتاح، ومحمد صلاح الدين جاد عرفات، وعلي علي السيد إبراهيم، ومحمد عزت إبراهيم، ومؤمن رزق أبو اليزيد، وفراج محمد محمود أحمد، وعماد أمير رشدي يعقوب، ومحمد محمود محسن، وأحمد محمد علي نجم، وعلي حسن محمد الطوخي، ومحمود صبري محمد. ومن قوات المدفعية النقيب محمد صلاح محمد، والجندي محمد محمود فرج، وأحمد العربي مصطفى، والمندوب المدني صبري.