مع بدء العدل التنازلي للانتخابات البرلمانية في العراق، بدأت تبرز على السطح ظاهرة شراء الأصوات تحت ستار يطلق عليه "البطاقات الانتخابية".
ومن المقرر إجراء الانتحابات البرلمانية في العراق في أكتوبر المقبل، بعدما أجلت إلى هذا التاريخ بعد كان من المزمع إجراؤها في يونيو الماضي، وتكتسب هذه الانتخابات أهمية كونها الأولى التي تجرى بعد انتفاضة عام 2019، التي أدت إلى تغيير القانون الانتخابي.
وصار عراقيون في شتى المحافظات أنباء عن سعي قوائم انتخابية لشراء الأصوات عبر ما بات يعرف بـ"البطاقات الانتخابية"، وهي عبارة عن آلية يعتمدها السماسرة تقوم على أخذ ما يشبه التعهد من الناخب بالتصويت لقائمة ما ويستلم نصف المبلغ.
ويتم تسلم بقية المبلغ بعد إجراء الانتخاب، بعد أن تتأكد الجهة من أن عملية التصويت تمت كما هو متفق عليه، إما عبر التصوير بهاتف نقال داخل كابينة التصويت، أو بعد فتح الصناديق وإعلان أصوات مركز الاقتراع.
ويتراوح سعر البطاقة الانتخابية الواحدة بين 50 إلى 150 دولار، وهو مبلغ يبدو زهيداً بالمقارنة مع هذه العملية المطولة من الاتفاق والشراء والدفع على مرحلتين.
لكن مصادر أكدت أن السماسرة يتقصدون التواصل مع "قادة العائلات"، كونهم يستطيعون تأمين ما بين 50 إلى 100 بطاقة انتخابية من أفراد عائلاتهم، مما يرفع من قيمة المبالغ التي يحصلون عليها.
الناشط المدني العراقي، إسامة الغزلي، قال في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية": "تستفيد الأحزاب والشخصيات السياسية العراقية من الظرف الاقتصادي الضاغط على المواطنين العراقيين، وذلك لشراء أصواتهم، فالمبالغ المطروحة توازي تكون نصف المدخول الشهري للمواطن العراقي".
وأضاف: "وفي حالة (قادة العائلات) فإنها يمكن أن تشكل مبلغاً مُعتبراً. خصوصاً أن هؤلاء القادة يتم وعدهم بمناصب إدارية أو مناقصات مستقبلية، مما يدفعهم للبحث عن مُدراء حملات شراء البطاقات".
الوضع القانوني للانتخابات الراهنة ربما يكون عاملاً إضافياً لتعزيز ذلك. فالدوائر الانتخابات الصغيرة التي ستجري حسبها الانتخابات، التي ستكون على مستويات الأحياء والبلدات، تمسح لأن العلاقات الأهلية بين السماسرة والناخبين دافعاً للثقة ومبادلة المنافع بين الطرفين، وكذلك للتأكد من صحة الالتزام بالتصويت.
وحسب هذه الدوائر، فإن بعض المرشحون يحتاجون إلى قرابة 5000 صوت انتخابي للوصول إلى قبة البرلمان، وحسب أسعار الأصوات الانتخابية المنتشرة، فقد يصل مجموع ما يمكن أن يدفعه المُرشح يتراوح حول نصف مليون دولار، وهو مبلغ أقل من تكاليف حملة انتخابية عادية يمكن لأي مرشح للانتخابات البرلمانية.
وإذا كانت عمليات الشراء تتم لصالح قائمة انتخابية كاملة، فإن مجموع المبالغ التي يمكن توزيعها على مجموع المرشحين، مما يجعل من التكلفة العامة لكل مرشح زهيدة نسبياً.
وحول سهولة شراء البطاقات الانتخابية من قِبل المرشحين أو القوائم، أوضح الخبير القانوني العراقي، عبد السلام الصقلاوي، في حديث مع "سكاي نيوز عربية": "تُستعمل البطاقة الإلكترونية في العراق منذ عام 2014، وقد صرفت المفوضية العامة المستقلة للانتخابات العراقية ملايين الدولارات لاستقدامها واستعمالها خلال الانتخابات في البلاد، حتى تغلق إمكانية الفساد والتزوير، كون البطاقة تتضمن بصمة العيون واليد وصورة شخصية مطبوعة بإحكام".
واستدرك قائلا: "لكن المسألة ليست مواصفات البطاقة أو آلية عملها، بل في آلية هذه الشبكات لتكريس آليات لشراء الناخبين والتأكد من التزامهم بالتصويت، وهو أمر يجري بسهولة لأنه ثمة مناطق عراقية كاملة لحزب أو شخصية سياسية، لذلك فأن المراقبين يُستحال أن يتأكدوا مما جرى خارج الغرفة الانتخابية من اتفاقات".
المفوضية العُليا للانتخابات رفضت الاتهامات التي تطالها حول تقصيرها في هذا الملف، مؤكدة بأن دورها القانوني والإداري يكمن في التنظيم القانوي والإشرافي على العملية الانتخابية داخل المراكز وحسب آليات متبعة في مختلف مناطق العالم.
وتقول إن الحكومة المركزية العراقية وأجهزتها الأمنية والشرطية يجب أن تلاحق مثل تلك الشبكات، وأن تطور أدوات مراقبتها ومستويات عقوباتها للمتورطين فيها.
وحسبما شرحت الناشطة المدنية العراقية، سلوى عليوي، في حديثها مع موقع "سكاي نيوز عربية"، فإن مخيمات النازحين والعشوائيات والقرى هي أكثر نقاط الجذب التي تجري فيها مثل تلك العمليات".
وتابعت: "في تلك المناطق، ثمة شبه جهل تام بالحقوق الشرعية للناخب، وكذلك ليس ثمة وعي لأهمية الأصوات الانتخابية في تغيير مصائر البلاد وحتى الناخبين هؤلاء. لذا ثمة نوع من الخفة والاستهتار بالموضوع، لأنهم يعتبرون الانتخابات شيء لا طائل منه".
وأردفت "بالإضافة لذلك، فإن سكان تلك المناطق هُم الأكثر فقراً على الإطلاق، حتى أن بعض العائلات تنتظر إجراء الانتخابات لشراء بعض الأدوات الكهربائية المنزلية، أو إجراء عملية جراحية، وهو أمر يستغله المرشحون تماماً بالرغم من قسوته".