في تصعيد استثنائي و"مفاجئ"، قصفت مدفعية قوات النظام السوري قبل يومين عددا من المُدن والبلدات في منطقة جبل الزاوية في الريف الجنوبي لمحافظة إدلب الخارجة عن سيطرته، مما أدى لسقوط ثمانية ضحايا مدنيين على الأقل، بينهم خمسة من عائلة واحدة.
وكانت تخضع تلك المنطقة طوال الشهور الستة الأخيرة لتفاهمات الجولة الأخيرة لاجتماعات أستانا، بين المعارضة السورية والنظام السوري، التي تجري برعاية ثلاثة روسية إيرانية وتركية، والتي كرست في تلك المنطقة ما سمته "منطقة خفض التصعيد"، وعمليات القصف الأخيرة تُهدد بإنهائها والدخول في مواجهة مُسلحة بين المتصارعين.
وفي التفاصيل، قالت الأنباء إن مقاتلات روسية حديثة نفذت أربعة غارات جوية مكثفة على بلدة "الشيخ يوسف"، غرب مدينة إدلب، في وقت كانت طائرات أخرى تراقب الوضع الميداني، وإن مدفعية الجيش السوري، من نوع حديث موجه بالليزر، كانت تقصف بلدات إبلين وبلشون وبليون، بالإضافة إلى بدة أريحا القريبة.
المصادر العسكرية المراقبة لأجواء محافظة إدلب، قالت بأن نوعية الأسلحة التي اُستخدمت خلال عملية القصف الأخيرة، والمساحة الشاسعة نسبياً للمناطق التي تم تغطيتها من خلال الهجوم الثنائي الذي نفذه الجيش السوري ونظيره الروسي، ولغياب أية حادثة أو فعل محرض على تنفيذ ذلك، يدل على أن مجموعة من المطالب السياسية تكمن وراء هذا التصعيد، سواء من تركيا أو الفصائل المسلحة المسيطرة على تلك المنطقة. كما توقعت ألا تكون هذه العملية وحيدة في سياقها، بل أن يليها مجموعة من العمليات التصعيدية اللاحقة.
فصائل المعارضة السورية والجماعات المتطرفة في المنطقة، أعلنت بأنها ردت على الهجمات بقصف صاروخي طال مواقع قوات النظام السوري، في مناطق محور جورين في منطقة سهل الغاب غرب سوريا، لكن لم تُسرب أية معلومات حول وقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش السوري.
ونقل المرصد السوري لحقوق الإنسان عن مصادره قولها إن المدفعية الثقيلة في نقاط المراقبة التركية المنتشرة في تلك المنطقة، قد قصفت قوات النظام السوري، مستهدفة مُعسكرات بلدة خان السُبل وقرية الحامدية في المحور الجنوبي لمحافظة إدلب، كرد فعلٍ على قصف المناطق القريبة منها.
الباحث المُختص في الشؤون السياسية أدهم النُميري، شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية الدوافع الثنائي لكل من روسيا والنظام السوري من جراء هذا التصعيد المكثف قائلا: "بالنسبة للنظام السوري فإن بقاء إدلب حسب الوضع الحالي يُعتبر بمثابة تكريس لوضعها (الانفصالي) عن سلطة النظام، لذا فإنها تطرح منذ فترة موضوع فتح المعابر الاقتصادية مع تلك المناطق، وذلك لإعادة ربطها بمناطق سيطرته، ولدفع مزيد من القواعد الاجتماعية هناك للاعتراف بالحاجة إلى النظام السوري ومؤسساته، وهو أمر ترفضه تركيا وبعض الفصائل المسلحة نسبياً، والضغط العسكري الأخير هو بمثابة دفعها الإجباري للقبول بذلك، ولو طال ذلك لأسابيع".
ويضيف النُميري في حديثه: "روسيا بدورها تعيش وقتاً ترى فيه تركيا وهي تزيد من روابطها والتزامها بمحددات ورؤية الولايات المُتحدة الأميركية وحلف الناتو، سواء في سوريا أو عموم المنطقة، وهو أمر يعني مفارقة لحالة الشراكة الفعلية التي كانت تجمعها بروسيا. لذلك ترى روسيا في إدلب خاصرة رخوة تستطيع عبرها أن توجه رسائل قاسية إلى تركيا، وتنبهها إلى أهمية ما كانت قد توصلت أليه من تفاهمات سياسية وعسكرية سابقة بشأن سوريا وعموم المنطقة".
وكانت سلسة من الاجتماعات السياسية والأمنية قد عُقدت بين قوى المعارضة السورية والنظام السوري، وبراعية روسية إيرانية وتركية، منذ أوائل العام 2017، عُرفت بمفاوضات أستانا، لانعقادها في عاصمة دولة كازاخستان. تلك المفاوضات التي لم تتوصل إلى أية نتيجة سياسية، وبعد خمسة عشر جولة من التفاوض خلال أربعة سنوات، عُقدت آخر جولاتها قبل ستة أشهر، لكنها تمكنت من صياغة مجموع تفاهمات أمنية وعسكرية بشأن منطقة إدلب، بحيث منعت قوات النظام السوري وحليفها الروسي من اجتياح المنطقة، وكذلك منعت تركيا من الاندفاع عسكرياً للتدخل في تلك المنطقة، الأمر الذي سمته جميع الأطراف بـ"خفض التصعيد".
المراقبون للمشهد السوري، ومعهم العديد من الشخصيات السياسية السورية المعارضة، كانوا يرون بأن مفاوضات أستانا يتم تهميش مضمونها السياسي بالتقادم، فخلال الجولات التالية لم تعد شخصيات سياسية وقيادة بارزة من الدول الراعية تحضرها، بل صار مستوى التمثيل يتراوح حول سفراء الدول، وكذلك لم تتم مناقشة أي مضمون جدي، مثل قرار مجلس الأمن 2254 ومستقبل العملية السياسية في سوريا، وإن بقيت مجرد منصة تفاهم روسية/تركية بشأن إدلب، ودليلاً على توافق الطرفين على منطقة وسطى بينهما.
وحول إمكانية انهيار تلك التفاهمات في الأفق المنظور، وحسب عملية التصعيد الأخيرة في منطقة إدلب، شرح الباحث المختص في الشؤون الأمني عثمان أورلي ذلك في حديث مع سكاي نيوز عربية: "أغلب الظن ستمارس روسيا عمليات نوعية شبيهة بهذه طوال الأسابيع القادمة، لدفع تركيا إلى اختيار خط استراتيجي في دورها داخل سوريا، وإذا لم تتلقَ رداً إيجابياً، فإنها ستدفع قوات النظام السوري إلى عمليات برية محدودة، خصوصاً في جنوب محافظة إدلب، وذلك لبعدها عن الحدود التركية، لخلق مزيد من الحرج لتركيا، وحسب ردود الفعل التركية سيتبين إمكانية انهيار التفاهمات السابقة من عدمها".