فيما قد يُعد تحولاً نوعياً في شكل وضوابط التوازنات العسكرية بين إيران والولايات المُتحدة في كُل من سوريا والعراق، هاجمت فصائل مسلحة موالية لإيران متمركزة بالقرب من بلدة الميادين، على نهر الفرات في أقصى شرق سوريا، بعدد من قذائف المدفعية حقل العُمر النفطي والمساكن المدنية المحيطة بها، على الدفة الأخر من النهر، حيث تتخذها القوات الأميركية بمثابة قاعدة عسكرية لقواتها ومطاراً عسكرياً تدير منه عملياتها.
التطور العسكري الذي هو الأول من نوعه في سوريا، حيث لم تسعَ الفصائل المسلحة المرتبطة بإيران أن أعلنت مسؤوليتها عن قصف القوات الأميركية في سوريا قط، ما قد يدفع لتحولات جذرية في مشهد التوازن العسكري في شرق سوريا، حيث تتمركز قوات وقواعد للولايات المُتحدة وفصائل وميليشيات مرتبطة بإيران، بالإضافة للجيش النظامي السوري وبعض الوحدات السورية المرتبطة والموالية لروسيا.
ردة الفعل الأميركية الأولى كانت عبر قصف مضاد، استهدف مقرات الفصائل المُقربة من إيران في بلدة الميادين ومحيطها، مما أدى لإخلائها للعديد من مقراتها في منطقة المزارع المحيطة بالبلدة. الفصائل الإيرانية قالت بأن عمليتها أتت كردة فعل على قصف الجيش الأميركية لمقرات من الحشد الشعبي والفصائل المسلحة المقربة من إيران، في العراق وداخل الأراضي السورية. بعد أن كان الجيش الأميركية قد قصف بالطائرات مقرات لكتائب من الحشد العراقية، داخل الأراضي السورية وفي العراق.
وكانت التوافقات العسكرية غير المُعلنة في منطقة شرق الفرات قد ثُبتت مُنذ أكثر من ثلاثة أعوام، في الشهور الأولى من العام 2018، وحينما كانت قوات سوريا الديمقراطية المدعوة من الولايات المُتحدة في ذروة محاربتها لتنظيم داعش الإرهابي في منطقة شرق سوريا، حاول قرابة 500 عنصر من قوات النظام السوري، وبمشاركة مئات المرتزقة من شركة فاغنر الروسية للمقاتلين المرتبطة بالكرملين مباشرة، وبمؤازرة دبابات T72 الروسية المتطورة مع العشرات من الآليات العسكرية، العبور إلى الدفة الأخرى من نهر الفرات، للهجوم على قوات سوريا الديمقراطية واحتلال مقرها العام في معمل "كونوكو للغاز"، فتعرضت لقصف بالطيران من قِبل القوات الأميركية، مما أحدث خسارة تامة في صفوف المهاجمين، ومنذ ذلك الوقت صار نهر الفرات بمثابة "حدود متفق عليها"، تسيطر القوات الأميركية على دفته اليُسرى، بينما تتقاسم الفصائل الموالية لكُل من إيران وروسيا الهيمنة على دفته اليُمنى.
الباحث في الشؤون الاستراتيجية عبد الحميد النزال شرح في حديث مع سكاي نيوز عربية الحسابات التي كانت تمنع الفصائل الإيرانية من مهاجمة القوات الأميركية في سوريا "تعرف إيران جيداً بأن وضع الفصائل المرتبطة بها هش للغاية في سوريا، ولا تتطابق مع أحوالها وثبات أمورها في العراق، حيث تمتاز بقسط واضح من الشرعية والشوكة، حتى في مواجهة الحكومة المركزية العراقية. ففي سوريا عموماً، وفي المنطقة الشرقية منها بالتحديد، تدرك إيران بأنها فعلياً في منافسة ومزاحمة مع قوات النظام السوري والفصائل السوري الموالية لروسيا، وحتى مع القوات الروسية نفسها، التي عبرت أكثر من مرة عن انزعاجها من تواجد الفصائل الإيرانية في تلك المناطق. لذا فأن الإيرانيين كانت يتقصدون عدم التحرش بالجيش الأميركي في سوريا، لأنهم يعرفون بأنه من شأن الهجمات الأميركية المكثفة على مقراتها أن تدفع المنافسين المحليين للاستفادة من الظرف وتصفية النفوذ الإيراني في واحدة من أكثر النقاط حيوية بالنسبة لإيران، لأنها المنطقة الوحيدة التي تربط برياً سلسلة أماكن نفوذها الإقليمي".
وبشأن ردود الفعل الأميركية المتوقعة في المستقبل المنظور، أشار الباحث الأمني عبد الأمير السبعاوي إلى أن الولايات المُتحدة قد توسع من مجال ضرباتها العسكرية الجوية على الفصائل الإيرانية في سوريا، مضيفاً في حديث مع سكاي نيوز عربية بأن ذلك النوع من القصف قد يتم عبر توافق أميركي روسي غير معلن.
وأضاف "حقيقة لا يُعرف إن كانت نتائج اللجان التفاوضية الأميركية الروسية التي أعلنها رئيس البلدان خلال قمة جنيف الأخيرة ستؤدي إلى نفس النتائج التي حدثت خلال العامين 2014-2015، حيث أن كبار قادة الجيش في البلدين توصلا إلى فك اشتباك وتعاون عسكري مثمر في سوريا، أنتجت معها غرفة التنسيق والتعاون العسكري بين الطرفين، واليوم ثمة حاجات عسكرية متناغمة للطرفين شبيهة تماماً بما أحرزاه في ذلك الوقت".
يضيف السبعاوي في حديثه مع سكاي نيوز عربية "الفصائل الإيرانية في هذا المجال تكاد أن تكون نقطة مشتركة بارزة. فهي بالنسبة للولايات المتحدة تحد أمني استراتيجي، لأنها عبر سياساتها الطائفية بحق السكان المحليين قد تدفع لإعادة الحياة للتنظيمات الراديكالية المضادة. كذلك فإنها بالنسبة لروسيا عائق مباشرة أمام أي مسعى لإحراز توافقات وخطط سياسية في سوريا، تهدئ من جذوة الحرب وتصنع عملية سياسية ما في البلاد، وهو أمر ستنكشف أبعاده خلال الأسابيع القليلة القادمة، لأن رد القصف بما يماثله فحسب من قِبل الولايات المُتحدة، ليس فعلاً ردعياً تماماً، ودون شك سيكون هناك خطوات عسكرية مستقبلية أخرى".