انتقد الخبير العسكري الإيطالي كارلو جين، سياسة بلاده في التعاطي مع الملف الليبي، مؤكدا على ضرورة أن تلزم نفسها بشكل مباشر في هذا الملف دون اللجوء إلى أميركا، مرجعا ذلك إلى الاختلافات الجوهرية بين سياسة البلدين في التعاطي مع تعقيدات الأزمة الليبية.
وقال جين وهو لواء متقاعد ورئيس مركز الدراسات الجيوسياسية الاقتصادية، في تحليل لمجلة "فورميكي" الإيطالية، إنه من الضروري إدراك أن سياسة واشنطن تجاه ليبيا تخضع لمخاوف أخرى، وذلك على عكس إيطاليا، فعلى سبيل المثال، تعد الهجرة من ليبيا أقل أهمية بالنسبة لواشنطن من محاربة الإرهاب، مشددا على أن هذا الاختلاف في الأولويات يجعل التعاون الاستراتيجي أمرا صعبا.
وحول مؤتمر برلين 2 الذي عقد مؤخرا، قال الخبير العسكري الإيطالي إن الدعوة لانسحاب القوات الأجنبية من البلاد لا تزال مجرد رغبة، موضحا أن نزع سلاح المليشيات وبناء جيش وقوات أمن وطني سيصبح أمرا غير عملي.
وأكد أنه بدون ذلك لن يكون لانتخابات 24 ديسمبر المقبل أي تأثير على استقرار البلاد، ولكنها ستسهل الاتفاق على توزيع عوائد النفط.
واعتبر أن على إيطاليا أن تلزم نفسها بشكل مباشر في الملف الليبي دون اللجوء إلى "أميركا الأم"، مشيرا إلى أنه في كل لقاء بين السياسيين الإيطاليين والأميركيين تكون قضية عدم الاستقرار في ليبيا مركزية.
وأشار جين إلى العلاقات الاستراتيجية بين تركيا والولايات المتحدة، باعتبارها حجر عثرة لتحقيق توافق حقيقي بين الثانية وإيطاليا فيما يتعلق بالملف الليبي، موضحا أن تركيا أكثر صلة بالولايات المتحدة من إيطاليا، وذلك على الرغم من خلافات تركيا مع اليونان وهجومها على الأكراد وشرائها أنظمة إس 400 من روسيا.
وأكد الخبير الإيطالي أن نقص الدعم الخارجي لا يترك مجالا كبيرا لإيطاليا، وذلك على الرغم من تناقص الخلافات مع فرنسا في الملف الليبي.
ورأى أن روما يجب أن تتعايش مع هذا الوضع الذي يترك هوامش ضئيلة من التحسين الجذري، فيما سيكون من الأفضل عدم المبالغة في الحماس ولو لأسباب تتعلق بالكرامة الوطنية.
الدور الإيطالي
واعتبر جين أن هناك شركة إيني الإيطالية لحسن الحظ ورجال الأعمال الإيطاليين الديناميكيين، الذين ساهموا في الحيلولة دون أن تفقد روما أسبقيتها في العلاقات الاقتصادية مع الشعب والسلطات المحلية، موضحا أن وجودهم بجانب المخابرات يحافظ على دور هام لإيطاليا.
وبيّن أن رفض السياسة الإيطالية لاستخدام جميع الأدوات المتاحة لها يثقل كاهل إمكانية حماية المصالح الإيطالية بنشاط في ليبيا بما في ذلك العناصر العسكرية وتوريد الأسلحة والمعلومات.
واعتبر جين أن الدعم الإيطالي الأخير لتجديد تمويل الاتحاد الأوروبي لليبيا للمهاجرين على طريق البلقان يمكن أن يسهل اتفاقية مماثلة بالنسبة للقادمين من طرابلس.
يذكر أن مؤتمر برلين 2 الذي عقد في العاصمة الألمانية نهاية الأسبوع الماضي، لمناقشة آخر المستجدات بخصوص الأزمة الليبية، قد شدد على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية المقررة في 24 ديسمبر المقبل، في موعدها المحدد وعلى النحو المتفق عليه.
كما جدد المؤتمر الذي استضافته العاصمة الألمانية بمشاركة دولية كبيرة، تأكيده على ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية من أنحاء ليبيا، مع استمرار الحوار الوطني الشامل.
وذكر البيان الختامي للمؤتمر الذي انعقد بدعوة من وزير الخارجية الألماني هايكو ماس والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس: "نحن، المشاركون، نؤكد ونعيد التأكيد على الالتزامات التي تم التعهد بها في نتائج مؤتمر برلين حول ليبيا في 19 يناير 2020".
وشدد البيان على أنه: "يجب إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الوطنية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر 2021 على النحو المتفق عليه في خارطة الطريق التي اعتمدها منتدى الحوار السياسي الليبي في تونس في نوفمبر 2020، ويجب قبول نتائجها من قبل الجميع".
وتابع: "يجب اعتماد الترتيبات الدستورية والتشريعية اللازمة. يجب سحب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا دون تأخير، وإصلاح قطاع الأمن ووضعه بقوة تحت إشراف وسلطة رقابة مدنية موحدة، ويجب ضمان التخصيص العادل والشفاف للموارد في جميع أنحاء البلاد. يجب معالجة انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان وكذلك انتهاكات القانون الإنساني الدولي، كما يجب البدء في عملية مصالحة وطنية شاملة وقائمة على الحقوق وعدالة انتقالية. يجب أن يستمر الحوار الليبي الشامل".