مازالت ردود الفعل الدولية تتوالى منذ أن أصدر البرلمان الأوروبي، قبل أيام، قراره الرافض لما اعتبره "استخدام المغرب للقاصرين غير المصحوبين بمرافقين" للضغط السياسي على إسبانيا، وذلك عقب اندلاع الأزمة بينها وبين الرباط بسبب استقبالها للزعيم الانفصالي إبراهيم غالي، بهوية مزورة.
وفيما أعرب البرلمان المغربي، الجمعة، عن استنكاره للقرار الأوروبي، خصوصا وأنه كان قد صدر بتحريض من نواب إسبان داخل البرلمان الأوروبي، معتبرا أن القرار "ينطوي على العديد من الأكاذيب"، تقاطرت على الرباط العديد من المواقف والبيانات التضامنية من كل دول العالم، وأيضا من منظمات دولية وشخصيات عالمية.
وفي حين شدد البرلمان الأوروبي على تحميل المغرب مسؤولية ضبط الحدود مع إسبانيا، معتبرا أن الأمر يتعلق بـ"دولة عضو في الاتحاد"، اعتبر البرلمان المغربي أن مدينة سبتة التي شهدت، منتصف مايو، اجتياح آلاف المهاجرين غير النظاميين، بينهم قاصرون، هي في الأصل "مدينة مغربية محتلة"، وبأن المساعي الإسبانية تريد "جعل المشكلة تبدو وكأنها خلاف مغربي أوروبي حول قضايا الهجرة".
تدويل مغربي
وتحدثت مصادر مطلعة لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلة إن "مساعي إسبانيا ذهبت كلها منذ استقبالها لزعيم البوليسياريو إبراهيم غالي، نحو جعل الخلافات بينها وبين المغرب خلافات أوروبية"، معتبرة أن "مصداقية الرباط، خصوصا حيال موضوع الهجرة وحماية الأطفال القاصرين قد جلبت لها دعما عالميا وعربيا".
وأضافت ذات المصادر أنه "يرجح أن الرباط لم تبذل بالكاد أي مجهود دبلوماسي لكي تأتي بهذا الدعم، بل فقط وزن البلاد في المحافل الدولية، وسياستها الرزينة والثابتة، والتي تقوم على احترام الدول والشعوب والأمم، هي التي جعلت كل الأصدقاء من دول ومنظمات تسارع إلى دعمها في هذا الظرف".
وشددت المصادر على أن "الدلالة الأكيدة للدعم العربي والدولي للمغرب هي أن القرار الأوروبي الذي جاء بأغلبية 397 صوتا، بتحريض من نواب إسبان، والذي عارضه 85 نائبا وامتنع 196 عضوا عن التصويت له، هو قرار هش وضعيف وليس له أي قيمة قانونية أو تنفيذية".
وكانت منظمات دولية وعربية قد أعلنت تضامنها مع الرباط، رافضة مضمون القرار الأوروبي، مثل ما أعلنته خلال اليومين الماضين "رابطة مجالس الشيوخ والشورى والمجالس المماثلة في إفريقيا والعالم العربي"، و"الاتحاد البرلماني العربي"، و"اتحاد المحامين العرب"، و"منظمة التعاون الإسلامي"، إضافة إلى مواقف عدد من النواب البرلمانيين الأوروبيين.
ومن جانبها، أشادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "اليونسيف"، الجمعة، بقرار المغرب المتعلق بالتسوية النهائية لقضية القاصرين غير المصحوبين بمرافقين في أوروبا، والذي كان العاهل المغربي محمد السادس قد أطلقه قبل أيام، فيما اعتبر وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن المغرب يعد أي رغبة في صرف النقاش حول الأزمة مع إسبانيا، بأنها ستسفر عن "نتائج عكسية"، مسجلا أن بلده "الذي يعتبر الأزمة ثنائية وسياسية مع إسبانيا، راض عن علاقاته مع الاتحاد الأوروبي في جميع المجالات".
قرار غير ملزم
وقالت عائشة الدويهي، رئيسة مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان، إن "التضامن الإقليمي والدولي مع المغرب هو أكبر دليل على انحياز البرلمان الأوروبي بشكل غير عادل، لدرجة قيامه بدور الرقابة المنوطة بآلية أخرى"، في إشارة منها إلى احتجاج النواب الأوروبيين على "تطبيق المغرب لاتفاقية أممية بشأن الأطفال"، فيما أبدت الخارجية المغربية استنكارها لتطاول البرلمان الأوروبي على اختصاص مراقبة تنفيذ الاتفاقيات الأممية.
وأضافت الدويهي في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن ذلك التضامن "دليل على وجاهة الموقف المغربي الذي ما فتئ يذكر بضرورة المعاملة بالمثل، وأهمية الثقة المتبادلة، وتقاسم المعلومة من أجل شراكة حقيقية"، مبدية استغرابها من "القرار الذي لم ينصف السجل الحافل للمملكة في قضايا الهجرة والمناخ والأمن كشريك استراتيجي".
وأوضحت أنه "كان على البرلمان الأوروبي، وهو يصطف إلى جانب إسبانيا، ويتناول الوضعية الخاصة للمدينتين المحتلتين، أن يستحضر المنجزات والمكاسب التي حققها المغرب في مواجهة الهجرة غير الشرعية"، منبهة إلى أن "القرار الأوروبي غير ملزم، وهو ذو طبيعة أخلاقية، ولم يرق إلى مستوى الإدانة، واكتفى بالرفض فقط".
قرار ليس أوروبيا
ومن جانبه، لفت الباحث في العلاقات الدولية، بجامعة محمد الخامس بالرباط، إسماعيل الرزاوي، إلى أن "إسبانيا سعت إلى إقحام مؤسسة البرلمان الأوروبي، من خلال تصويته على قرار يدين المغرب في ما يتعلق باتفاقية الأمم المتحدة للطفل، في سياق تدبير أزمتها معه، وذلك بعد أن عجزت حكومة بيدرو سانشيز عن الخروج من عنق الزجاجة في العلاقة مع الرباط".
وبيّن في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "القرار ليست له قوة إلزامية تجاه المغرب ولا يعبّر بالضرورة عن وجهة نظر موحدة لكافة دول الاتحاد الأوروبي إزاء هذه القضية"، لافتا إلى أن "موقف المفوضية الأوروبية ترى أن المغرب شريك لا محيد عنه في مسألة الهجرة".
وفيما يخص تضامن البرلمانين العربي والإفريقي مع المغرب، أكد الرزاوي "أنه لا يحق للبرلمان الأوروبي أن يتدخل في علاقات ثنائية أطرافها محددة"، مشيرا إلى "تثمينهما للقرار المغربي القاضي بالتسوية النهائية لقضية القاصرين غير المصحوبين بمرافقين في بعض الدول الأوروبية".
واختتم الرزاوي حديثه بالقول إن "هذا التضامن يعكس أولا، قيمة ووزن المغرب على الصعيد الجهوي والقاري، من خلال مساهمة المغرب في سبيل تعزيز العمل العربي المشترك، ونجاح سياسة المغرب الإفريقية خاصة بعد عودته إلى حضن الاتحاد الإفريقي، كما هي تتويج للتجارب التي راكمها في تعزيز التعاون جنوب - جنوب لما له من مكاسب سياسية مهمة بدأ المغرب في قطف ثمارها".