كالعادة بعد كل زيارة يقوم بها وفد تركي إلى ليبيا تشتعل وتثار الفتن، وهذه المرة تركت الزيارة بصماتها في خلق توتر جديد دخل الحكومة الليبية والمجلس الرئاسي؛ حيث انقسم أعضاؤهما حول تقييم ما إن كانت الزيارة انتهاكا للسيادة الليبية.
وتواصلت "سكاي نيوز عربية" مع مصدر داخل المجلس الرئاسي، قال إن الخلاف ظهر بين أعضاء المجلس حين رفض بعضهم الطريقة التي تمت بها الزيارة، في حين وافق عليها آخرون منتمون لتيارات موالية لأنقرة، ونفس الحال جرى داخل حكومة الوحدة الوطنية.
ومن مصادر الضيق التي خلفتها الزيارة في حلق الليبيين الرافضين لها - بحسب المصدر- هو أن الوفد التركي، وبشكل فج، وزَّع على الحكومة الليبية والمجلس الرئاسي جدول الزيارة واللقاءات، وشدد على تنفيذها.
ودخل المنتمون للتيارات الإسلامية وأنقرة في صدام مع الأعضاء الرافضين لهذا الانتهاك للسيادة الليبية، خاصة وقد عُلم أن تنظيم الإخوان في ليبيا كان على علم، ونسق للزيارة مع تركيا، وهناك ترقب لموقف السلطات الليبية إزاء كل هذه التجاوزات، وفق المصدر ذاته.
ووصل وزير الدفاع التركي، خلوصي آكار، الجمعة، إلى ليبيا في زيارة مفاجئة، على رأس وفد رفيع المستوى، يضم وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو، ووزير الداخلية ورئيس الاستخبارات ورئيس دائرة الاتصال برئاسة الجمهورية والناطق باسم الرئاسة، وذلك بدون تنسيق مع الجانب الليبي.
واستقبل آكار الجنود الأتراك وسفير أنقرة منفردين دون وجود المراسم الدولية المتعارف عليها، على نحو أوحى بأن ليبيا "مستعمرة تركية ضمن الإمبراطورية العثمانية".
وفي الوقت الذي ادعت فيه تركيا أن الزيارة تهدف لتوسيع التعاون مع ليبيا وطمأنة الليبيين بأن أنقرة ستكون أكبر الداعمين لها، كشف باحث تركي مقرب من الحكومة التركية النوايا الحقيقة للزيارة المفاجئة؛ فأكد في مداخلة مع قناة "TRT" التركية أن الزيارة قبل مؤتمر "برلين 2" هي رسالة للغرب والناتو بأن بلاده لن تغير سياستها تجاه ليبيا.
وأوضح الباحث أن زيارة الوفد التركي، بهذا الحجم رفيع المستوى، إلى طرابلس قبل لقاء وزيري الخارجية التركي والأميركي في قمة الناتو- 14 يونيو الجاري- وقبل مؤتمر برلين- 23 يونيو- لها أبعاد، منها أن تركيا ترسل رسائل خاصة إلى طرفين في الناتو معارضين للاتفاقيات التي وقعتها مع طرابلس وهما الولايات المتحدة وفرنسا.
الهدف أفريقيا
وتعليقا على هذا، يقول رئيس تحرير صحيفة "الموقف" الليبي، سعيد ناصر، إن الزيارة جاءت تلبية "لجنون عظمة وأحلام الوهم لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعودة الدولة العثمانية، فهو يعتبر أن ليبيا أرض أجداده، مستغلا في الوقت نفسه جماعات الإخوان في ليبيا لإنقاذ بلاده من الأزمة الاقتصادية".
وهدف آخر يسعى إليه أردوغان يوضحه سعيد لـ" موقع سكاي نيوز"، وهو أن يعوض رفض الاتحاد الأوروبي له بمحاولة إثبات وجوده في إفريقيا"، مؤكدا أن "الوجود التركي في بلاده على هذا النحو بمثابة احتلال ويجب أن تسترد ليبيا سيادتها الوطنية".
ويُذكِّر سعيد بأن من جلب الجنود الأتراك والمرتزقة إلى ليبيا هو فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي السابق عندما أبرم مع أنقرة اتفاقية الدفاع المشترك.
"إشارات خبيثة"
وفي تقدير الباحث الليبي سالم العبيدي لـ"سكاي نيوز عربية" فإن ما حدث يؤكد أن تركيا تتعامل مع ليبيا وكأنها تحت الاحتلال"، مطالبا بضرورة إصدار بيان يستنكر فيه ما فعله الوفد التركي.
وبحسب وصفه، فإن الزيارة في هذا الوقت "تحمل نوايا خبيثة؛ فهي تأتي قبل مؤتمر برلين 2 الذي تم تأكيد أنه سيناقش التدخلات الأجنبية وملف المرتزقة"، متوقعا أن تكون الزيارة بهذا الشكل متعمدة لإرسال إشارات للمجتمع الدولي أن تركيا لا يفصلها شيء عن الوصول لليبيا في أي وقت.
"سيناريو دموي"
من جانبه، يحذر عضو مجلس النواب سعيد أمغيب من تعرض ليبيا لسيناريو دموي بشع خططت له المخابرات التركية.
وفي تدوينة له على موقع "فيسبوك" يكتب: "أقل من أسبوعين هي المدة التي تفصلنا عن انعقاد مؤتمر برلين 2، المتوقع أن مخرجاته ستكون أكثر وضوحا، ولا مجال فيها للاجتهاد أو التأويل، ولن يكون له إلا مسار واحد، محدد المسافة والاتجاه مسبقا، هذا ما يفهم من تصريحات وزراء خارجية وسياسيين لدول إقليمية ودولية".
ويواصل النائب الليبي: "النظام التركي يعلم أكثر من ذلك، ويعلم جيدا أن هذا المؤتمر الذي لم تدعى إليه تركيا، إن كانت أحد مخرجاته فقط المطالبة بخروج المرتزقة والقوات الأجنبية من ليبيا فإن ذلك سوف يكون بمثابة الحكم بالإعدام على المشروع التركي بالمنطقة والمصالح التركية في ليبيا، لذلك سوف يحاول أردوغان فعل أي شيء لكسب ورقة قوية يساوم بها مقابل خروج قواته ومرتزقته، بعد أن فشلت الجهود التركية في عرقلة انعقاد هذا المؤتمر".
وتوقعات النائب الليبي جاءت بعد أسبوع من التفجير الإرهابي الذي شهدته مدينة سبها جنوبي ليبيا، وراح ضحيته ضابطا شرطة وأصيب 4 آخرون، وأعلن تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عنه، مما جعل أصابع الاتهام تتجه أيضا إلى تنظيم الإخوان، لأن كل التنظيمات الإرهابية ولدت من رحم تنظيم الإخوان بحسب تصريحات مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني الليبي، اللواء خالد المحجوب، لـ"سكاي نيوز عربية".
كما أن تنظيم الإخوان هو صاحب المصلحة الرئيسية في عدم الاستقرار في ليبيا، ويخطط بكذا طريقة لنشر الفوضى في ليبيا لتعطيل الانتخابات المقررة 24 ديسمبر المقبل، ومتوقع أن يخسر فيها كما خسر في انتخابات البرلمان 2014.
ويرى محللون سياسيون في ليبيا أنه إذا لم يضغط المجتمع الدولي في مؤتمر "برلين 2" لوقف ألاعيب الإخوان، فإن الوضع قد يزداد سوء، معتبرين أن حادث سبها الإرهابي مؤشر خطر على أن العناصر المتطرفة التي دخلت ليبيا بموافقة الإخوان وبمساعدة تركيا مازالت تنشط، وقادرة على تنفيذ هجمات ضد قوات الأمن.