بدأت وزارة الخارجية الألمانية التحضير لـ"مؤتمر برلين 2"، الذي دعت لانعقاده في 23 يونيو الجاري، لمراجعة ما تم إنجازه في ملف المصالحة الليبية وخارطة الطريق التي أقرت في مخرجات مؤتمر برلين 1.
ووجهت ألمانيا دعوات لبعض الدول والمنظمات الدولية، على رأسهم الأمم المتحدة وأميركا وروسيا وإيطاليا ومصر وتونس والجزائر، لحضور المؤتمر بصفتهم أكثر الأطراف المعنية بالأزمة الليبية، فضلا عن عشرات الشخصيات السياسية من داخل ليبيا.
واتفق خبراء سياسيون في ليبيا على أن مؤتمر برلين 2 سيكون حاسما في التمسك بمخرجات مؤتمر برلين 1، التي قضت بضرورة إجراء انتخابات نهاية هذا العام دون تأخير.
وأكد البعض أن هذا المؤتمر سيكون بمثابة "الطلقة الأخيرة في رأس المعطلين لما نصت عليه بنود مخرجات المؤتمر الأول، وعلى رأسهم تنظيم الإخوان".
وقال مصدر داخل الحكومة الليبية وأحد المشاركين في مؤتمر برلين 2، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الدعوة لهذا المؤتمر في هذا التوقيت بمشاركة دولية على رأسها الولايات المتحدة وأوروبا، هي "رسالة قوية لكل المعرقلين للانتخابات في ديسمبر المقبل، مفادها أن المجتمع الدولي لن يقبل بتعطيل الانتخابات، وأنه ستتم ملاحقة كل الأطراف الساعية لنشر فوضى سياسية في البلاد".
وأضاف المصدر الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن نتائج المؤتمر "ستكون صادمة لكل الفصائل السياسية التي تعمل على تعطيل بنود خارطة الطريق، لاسيما جماعات الإسلام السياسي وقادة الميليشيات في البلاد".
وأوضح أن برلين 2 قد ينعقد دون مشاركة بعض الفصائل السياسية التي ترى القوى الدولية أنها معطلة لخارطة الطريق، وهذه ستكون رسالة أخيرة لهم "إما الانضباط أو أنهم سيقعوا تحت طائلة عقوبات الدول الكبرى".
الانتخابات أولا
من جانبه، قال الباحث في الشأن الليبي، إبراهيم الفيتوري، إن المجتمع الدولي "بدأ يشعر أن هناك انحرافا عن طريق المصالحة الوطنية وتنفيذ بنود خارطة الطريق، القاضية بإجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل".
وأضاف الفيتوري، أن هناك فصائل سياسية "تسعى حتى اللحظة لإغراق ليبيا في فترة انتقالية طويلة لا تنتهي، نظرا لأن مصلحتهم تكمن في عدم استقرار البلاد وانتشار الفوضى".
وأوضح أن هذه الأيام "حاسمة بشكل كبير في إمكانية تنفيذ المصالحة الوطنية، فإذا فشلت الجهات المعنية في تمرير القاعدة الدستورية بشأن الانتخابات قبل انتهاء هذا الشهر، فإنه من المستحيل إجراء الاستحقاق الدستوري الذي حددت تفاصيله مخرجات مؤتمر برلين 1".
وأكد الباحث الليبي أن المجتمع الدولي "أدرك ما تقوم به بعض التيارات السياسية، وبدأ في البحث عن حلول لما تقوم به جماعات الإسلام السياسي في ليبيا، خاصة جماعة الإخوان أكبر الخاسرين من فكرة إجراء الانتخابات في موعدها، نظرا لاضمحلال فرصها في الحصول على فوز بتصويت شعبي".
وأشار الفيتوري إلى أن مؤتمر برلين "سيكون حاسما في إيجاد حلول لثلاث مشكلات، أولها كيفية القضاء على الفساد المالي في البلاد الذي أنهك الثروات الليبية، وكيفية تفكيك الميليشيات التي تقف عائقا أمام الاستقرار في البلاد، وكيفية التخلص من جماعات الإسلام السياسي المتطرفة المعرقلة لإجراء الانتخابات".
وأوضح أن التواجد الدولي في هذا المؤتمر بحضور أممي ومندوب للولايات المتحدة، سيشكل "أكبر ضغط على كل ما يقف حائلا دون إجراء الانتخابات في البلاد، وقد يكون تجهيزا لطلقة أخيرة تحطم رأس الإخوان سياسيا في البلاد".
وبدوره، قال المحلل السياسي سلطان الباروني لموقع "سكاي نيوز عربية"، إن الوضع في غرب ليبيا "غير مطمئن بالمرة، فيما يتعلق بفكرة إجراء انتخابات دون المساس بشفافيتها، نظرا لانتشار الميليشيات، وقبلها وجود فصائل سياسية ساعية لضرب المسار الموجه لإجراء الانتخابات".
وأضاف الباروني أن المجتمع الدولي "أدرك سريعا ما تنويه تلك الفصائل، وأن سيناريو 2014 قد يكون على أعتاب التنفيذ مرة أخرى إذا لم يتخذ خطوات سريعة في ضرب أهداف تلك الجماعات السياسية".
وأوضح أن مؤتمر برلين سيوجه رسائل واضحة بأنه "لن يقبل بالمساس وتغيير أي موعد للانتخابات أو تأجيلها"، مشيرا إلى أنه في حال عدم اللجوء لصناديق الاقتراع، "سيتوجه الليبيين لصناديق الذخيرة ويبدأ فصل جديدة من الفوضى السياسية والأمنية، وهذا ما تتمناه قوى الإسلام السياسي وعلى رأسها تنظيم الإخوان، الذي يعلم جيدا أنها الطريقة الوحيدة للبقاء في السلطة".
وأكد الباروني أن الوضع في شرق ليبيا "مختلف كثيرا عن الغرب، فالكل شاهد العرض العسكري الأخير واستمع لتصريحات المشير خليفة حفتر التي أكد فيها إصراره على إجراء الانتخابات في موعدها، مع ضرورة تنفيذ كل بنود خارطة الطريق".
مناقشة الخطوات المقبلة
وبحسب بيانات رسمية من وزارة الخارجية الألمانية، فإن المؤتمر سيناقش الخطوات المقبلة التي تحتاج ليبيا إليها لتحقيق استقرار مستدام في البلاد، وستركز المحادثات على التحضير لانتخابات وطنية مقررة في 24 ديسمبر المقبل، وسحب المرتزقة من ليبيا.
وأكد بيان صادر عن الخارجية، أن المؤتمر يأتي "تعبيرا عن الدعم الدولي المتواصل للاستقرار في ليبيا، وأن المجتمع الدولي يقف مستعدا لمواصلة دعمه البناء وعن قرب لعملية السلام، التي تقودها الأمم المتحدة في ليبيا".
واستضافت برلين الجولة الأولى من المحادثات برعاية الأمم المتحدة في 19 يناير 2020، شارك فيها أطراف النزاع الليبي إلى جانب رؤساء روسيا وتركيا وفرنسا ومصر، في مسعى لإحلال السلام في البلاد.
وتعهد القادة خلال الاجتماع بوضع حد لكل أشكال التدخل الخارجي في النزاع، وضمان تطبيق الحظر على الأسلحة.
وسيقيم المؤتمر التقدم المحرز منذ ذلك المؤتمر، كما ستتم مناقشة الخطوات التالية اللازمة لتحقيق الاستقرار المستدام في البلاد.