يرتفع صوت السلطة والمترشحين على حد السواء مناشدين من بات يطلق عليهم لقب الأغلبية الصامتة، وقد ومضى أسبوع على انطلاق سباق الحملة الانتخابية لأول انتخابات تشريعية تشهدها الجزائر بعد حراك 22 فبراير 2019 المقررة يوم 12 يونيو القادم.
في هذا السباق، لكل طرف حجته وأهدافه من خلال مخاطبة هذه الشريحة الكبيرة من الناخبين في ظل الانقسامات والتحديات التي تشهد البلاد والخوف من ظاهرة المقاطعة.
في هذه الرحلة يسابق الزمن أزيد من 24 ألف مترشح يشكلون (1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة مستقلة)، حيث تبدو المهمة الفوز بمقعد في العهدة الـ12 للغرفة السفلى للبرلمان الجزائري أكثر صعوبة، خاصة وأن عدد المقاعد هذه السنة 407 مقاعد، وهو عدد أقل بـ55 مقاعد مقارنة بالمجلس السابق.
أساليب جديدة في الإقناع
ويأتي هذا الاقتراع أمام تغييرات كبيرة تشهدها الساحة السياسية في الجزائر، أدت إلى إعلان نهاية الأساليب الترويجية القديمة عن طريق خطاب القاعات المغلقة، التي كانت تعتمدها الأحزاب التقليدية الكبرى في مقدمتها حزبي "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" اللذان سيطرا على البرلمان لعقود من الزمن، وذلك بالتزامن مع انتشار القوائم الحرة التي تبدو الأوفر حظا.
ويواجه المترشحون صعوبة في إقناع الشارع بضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع، خاصة تلك الأصوات التي تواصل الرهان على الحراك والتظاهر للمطالبة بتغيير جذري، فضلا عن الحجج التي تروج لها ثلاثة أحزاب بارزة في المعارضة، (جبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية) التي تقول إن شروط تنظيم الانتخابات غير متوافرة أصلاً.
أمام هذا المشهد وجد المترشحين في القوائم الحرة أنفسهم أمام تحدي إقناع الأغلبية الصامتة، ومن بين هؤلاء المترشحين الإعلامي يونس صابر شريف من قائمة حزب جيل جديد بالجزائر العاصمة الذي يخوض لأول مرة في حياته تجربته الانتخابات.
وقال صابر شريف لموقع "سكاي نيوز عربية": "نقوم الآن بفتح النقاش السياسي مع المواطنين لمعرفة تصوراتهم للمرحلة المقبلة والتأكيد على أهمية تجديد الطبقة السياسية".
وقد ساد في الجزائر مناخ الرفض العام للانتخابات حتى قبل بداية الحملة الانتخابية، وهو ما أكد عليه المترشح عن حزب جيل جديد: "كنت متخوفا من التوجه مباشرة لدى المواطنين حيث كانت هناك فكرة سائدة في مواقع التواصل الاجتماعي أن الشعب يرفض كل مسار سياسي".
ولكن نزوله إلى الشارع جعله يكتشف أشياء جديدة ومختلفة عما يتم الترويج له في صفحات الفيسبوك كما قال: "لم أواجه سلوكا سلبيا أو عدائيا أو رفضا في الشارع، فقد قمت بزيارة أكثر من عشر بلديات وقد لاحظت كما هو معلوم أن أبرز المشاكل يتعلق أساسا بنقص التنمية وارتفاع نسبة البطالة".
وأكد المترشح أن دور الأغلبية الصامتة في هذه الانتخابات القادمة مهم جدا وهو من شأنه قطع الطريق أمام سيطرة عصابات الفساد على البرلمان أو عودة الوجوه القديمة التي لم تقدم شيئا للشعب.
ويستعمل المترشحين تقنيات جديدة لإقناع الأغلبية الصامتة للتوجه إلى صندوق الاقتراع، ومن بين أبرز التقنيات التي يعتمدها المترشحين في هذا السباق الانتخابي، الحوار المباشر، خاصة وأن تشريعيات 2021 تأخذ شكلا جديدا في الانتخاب يعتمد على انتخاب مترشح بعينه وليس نظام القوائم الذي كان معمولا به في السابق.
سلطة واثقة من نسبة المشاركة
وتحمل السلطة قناعة ثابت بأن لا حل للأزمة السياسية التي تمر بها البلاد سوى التوجه للاقتراع، وهي تعتبر أن الأصوات المعارضة لا تمثل الشعب الجزائري ككل، حيث يركز خطاب السلطة على إقناع الأغلبية الصامتة.
وقد تحدث الرئيس عبد المجيد تبون في هذا الأمر عدة مرات، وكرر في تصريحاته التلفزيونية أن الأغلبية الصامتة التزام مع الجزائر الجديدة، والأقلية تبقى حقوقها محفوظة، ولكن الأغلبية هي من تحدد شكل التغيير الحقيقي.
وأكد تبون أن 10 ملايين جزائري اختاروا التوجه إلى صناديق الاقتراع لإنقاذ الجمهورية وفضلوا التغيير المؤسساتي في رئاسيات 2019، مشيرا إلى أن هناك فئة من المواطنين تواصل الرهان على المسيرات لأسباب أخرى.
وبلغة الأرقام، فقد بلغ تعداد الهيئة الناخبة في عملية الاستفتاء على مشروع تعديل الدستور التي جرت يوم الفاتح نوفمبر من العام الماضي أكثر من 24 مليون مسجل، وقد بلغت نسبة المشاركة 23 بالمئة، بينما بلغت نسبة المشاركة في آخر انتخابات تشريعية شهدتها البلاد في 4 مايو 2017، نسبة 35. 37 بالمئة.
بالأمس "الفيسبوك" واليوم شيء آخر
ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر توفيق بوقاعدة، أن مصطلح الأغلبية الصامتة من المفاهيم التي درج السياسيون استخدامها للترويج لمشاريعهم، والادعاء بأن الأغلبية الصامتة تؤيدهم، وهو مفهوم ليس ثابتا، حيث يتحرك وفق طبيعة المشروع السياسي المعروض للانتخاب ولا يمكن لأي أحد التكهن بحقيقة هذه الأغلبية وتوجهاتها.
في الجزائر اقترنت الأغلبية الصامتة بالمواعيد الانتخابية التي عرفتها الجزائر بعد إلغاء انتخابات 1991 وظلت لزمن طويل يتم تفسيرها على أساس أنها الوعاء الانتخابي التقليدي للجبهة الإسلامية للإنقاذ.
وقد ثبت فيما بعد أن التحولات الحاصلة في المجتمع تبين أن الأغلبية الصامتة ليست فقط من لها مشروع سياسي غير قادر عن التعبير بذاته، وإنما أيضا تشكلت طبقة من اللامبالين بالعملية السياسية برمتها سواء لأنهم يعيشون على هامش اهتمامات الدولة ويرون بأن انتخابهم لا يغير من واقعهم، وأنهم مجرد أداة الدولة والسياسيين لتحقيق مشاريعهم الخاصة.
وأكد بوقاعدة أن أكثر صفة تجمع الأغلبية الصامتة هي الإحساس باليأس من العملية الانتخابية، وهي في توسع مستمر نظرا لفشل المتزايد للدولة في تحقيق التنمية الاقتصادية وتلبية حاجيات الأساسية للمجتمع.
وقال الأستاذ بجامعة الجزائر: "هذه الفئة برزت في الفترة الأخيرة كفئة مقاطعة، لا ترى في مسار العملية السياسية ما يحقق حلم الجزائريين الذين خرجوا في الحراك الشعبي لتأسيس دولة الحق والقانون".
وبشكل عام يلخص الخبراء الأغلبية الصامتة في فئة المواطنين الذين لا يستطيعون التعبير عن آرائهم سواء لأميتهم أو عدم وجود إطار سياسي أو مجتمعي يعبرون فيه عن آرائهم، وهناك فئة أخرى من الأغلبية الصامتة لديها مشروعها، لكنها منعت من التعبير عنه في إطار سياسي أو في الفضاء العام أو وسائل الإعلام.