استحسان كبير قوبل به التقرير الذي قدمته لجنة النموذج التنموي الجديد، خصوصا وأنه وضع اليد على المشاكل الحقيقية التي وقفت حجر عثرة أمام التنمية في المغرب، خلال العقدين الماضيين، بحسب ما تداوله نشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي.
واعتبر مراقبون أن التقرير، الذي جاء صدوره، قبل يومين، بعد أزيد من سنة، منذ أن عين العاهل المغربي لجنة لإعداده، خلال نهاية العام 2019، قد دق جرس الخطر، وذلك لدى إثارته للمخاوف التي تحوم حول مستقبل البلاد، خصوصا من الناحية الاجتماعية.
وأشار التقرير، الذي وضعته اللجنة المكلفة بإعداده بين يدي الملك محمد السادس، إلى أن تلك المخاوف نابعة أساسا من ضعف ثقة المواطنين في المؤسسات العمومية، ومشكل الارتقاء الاجتماعي للأفراد، في إشارة إلى مشاكل التشغيل والدخل الفردي والولوج إلى الخدمات.
وفيما ذكر التقرير أن ثمة مشكلا مرتبطا بضعف الحماية الاجتماعية، نبه مهتمون إلى أهمية مبادرة الملك محمد السادس قبل أسابيع، والتي أطلق من خلالها برنامجا متكاملا للحماية الاجتماعية، فيما اعتبره البعض استباقا ويقظة استراتيجية لقيادة البلاد.
والتقرير الذي ترأس لجنة إعداده، السفير المغربي في باريس، شكيب بنموسى، اشتغل عليه قراب الثلاثين خبيرا، ضمنهم خبراء بارزون مثل عالم السياسة محمد الطوزي، وعالم الاجتماع حسن رشيق، اتخذوا من المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية مقرا لهم، فيما استعانت اللجنة بالعشرات من الخبراء عند كل مرحلة من مراحل التنفيذ، بحسب مصادر لموقع "سكاي نيوز عربية".
ولدى حديثه عن المنهجية التي تحكمت في إنتاج التقرير، خصوصا وأن الأمر يتعلق بـ"مشاورات واسعة مع المواطنين تتضمن بعض الانتظارات التي لها علاقة بجودة عدد من المرافق العمومية"، أشار شكيب بنموسى أيضا، إلى أن التقرير "لم يسقط من فوق وليس برنامجاً حكومياً"، معتبرا خلال ندوة صحافية أن التقرير عبارة عن توجهات أساسية لإحداث تحول في التصور العام لتنمية البلاد في المستقبل.
الطبقة الوسطى .. منصة الارتقاء الاجتماعي
وقال الباحث الاقتصادي حمزة أعناو، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" إن "التقرير الذي يتضمن تشخيصاً لأعطاب النموذج الحالي ومقترحات لاعتماد نموذج جديد لتحقيق إقلاع تنموي اقتصادي في أفق سنة 2035، إنما يضع يده على مشكلة عميقة تتعلق بمشكلة الارتقاء الاجتماعي وتقوية آلياته كمدخل إلى التنمية من ناحية، وكعامل مساعد لرفع منسوب ثقة المواطنين في المؤسسات".
وأضاف أن "الآلية الحقيقية للارتقاء الاجتماعي تكمن في الطريقة التي ينظر بها الفاعلون العموميون إلى الطبقة الوسطى"، معتبرا أن "تلك النظرة اختزالية وذات طبيعة إحصائية، ولا تعطي صورة حقيقية عن الطبقة الوسطى في المغرب، كأن نعتبر الانتماء إلى الطبقة الوسطى مشروطا بالحصول على أجر معين، في حين أنه ينبغي النظر إليها من حيث درجة الخدمات التي يمكن أن يحصل عليها الأفراد".
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن "الطبقة الوسطى بإمكانها أن تصبح منصة حقيقية للارتقاء الاجتماعي، بحيث أن الانتماء إليها يكون مفتوحا أمام الفئات الهشة التي تتمكن من الولوج إلى الخدمات الأساسية، وهو ما يعطي لهؤلاء الأفراد فرصة توفير هوامش ادخار من أجورهم، سيؤول في النهاية إلى توسيع مدى الطبقة الوسطى".
وأردف المتحدث معتبرا أن "قدرة الفرد على الإنفاق الترفيهي من شأنها أن توسع من دورة المال والأعمال، وتنعش المقاولات الصغرى والمتوسطة، ومن هنا أهمية الطبقة الوسطى"، مشددا على أن "روح تقرير النموذج التنموي الجديد إنما تؤدي هذا المقصد".
وكان تقرير النموذج التنموي الجديد قد ذكر أن ضعف النموذج التنموي الحالي يتجلى في تعميق الفوارق ومخاطر التراجع الاجتماعي للطبقة المتوسطة، مشيرا إلى أزمة الثقة تجاه الفعل العمومي.
مسؤولية النخب
ومن جانبه أشار الباحث والكاتب السياسي أيمن مرابط، إلى أن "مضمون التقرير قد لامس فعلا جوانب مثيرة ذات صلة بالترقي الاجتماعي، لكن المشكلة التي ستواجهه هي تلك المتعلقة بالتنزيل، لاسيما وأنه ليس برنامجا حكوميا تفصيليا، بقدر ما هو توجهات عامة وتنبيهات".
وذكر مرابط، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "النخب السياسية والحزبية، والتي تضطلع بالتسيير إن على الصعيد الحكومي المركزي، أو على صعيد الجهات والأقاليم والجماعات المحلية، ليس في واردها تماما الوعي بعمق المشكلات التي يثيرها التقرير"، معتبرا أن "الضعف في التكوين وهيمنة الهواجس الانتخابية على أفراد تلك النخب يجعل من الصعب عليها مواكبة مضامين التقرير".
وفيما أشار التقرير إلى ضعف الثقة في النخب السياسية والاقتصادية والفئات الغنية، نقل أيضا العشرات من تعليقات المواطنين على الأوضاع العامة للبلاد، والتي تعبر عن الاستياء من غياب التطبيق العادل والصارم للقوانين والمحاسبة على الإخلال بالالتزامات.
سرعتان متفاوتتان
وأكد الباحث الاستراتيجي لحسن بوشمامة، أن "المغرب بات ومنذ عقدين من الزمان يعيش سرعتين"، مشيرا إلى أن "المؤسسات الاستشارية واللجان الموضوعاتية التي يعينها الملك، باتت لديها الجرأة على رصد الأعطاب، وتدقيقها، كما هو شأن لجنة النموذج التنموي الجديد، بينما القائمون على إعداد وتنفيذ السياسات الحكومية لا يواكبون تلك السرعة، بل وفي أحيان كثيرة قد يتسببون في عرقلتها".
وأكد بوشمامة، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد يعد بحدوث نقلة اجتماعية فارقة في تاريخ المغرب"، معتبرا أنه "قد آن الأوان للقضاء على كل أسباب القلاقل الاجتماعية وتجفيف منابع التطرف والجريمة، من خلال إقفال الباب أمام المشاكل الاجتماعية".
وأضاف "أن الجميع بات على وعي واستعداد لتنفيذ هذا المخطط، وهناك الكثير من الإجراءات الإيجابية التي بدأت بالفعل"، داعيا إلى "ضرورة تلاقي المسارات الإيجابية لإحداث تلك النقلة".