اعتاد سكان شفشاون أن يتداول اسم إقليمهم شمالي المغرب كوجهة سياحية جميلة، لكن في السنوات الأخيرة ارتبط اسم الإقليم بظاهرة الانتحار مع ارتفاع حالات هذه الظاهرة الاجتماعية هناك.
ورغم غياب الأرقام الرسمية، إلا أن باحثين مغاربة قالوا إن أكثر من نصف حالات الانتحار التي سجلت في المغرب خلال شهر واحد من 2021، كان في شمال المغرب وغالبيتها في إقليم شفشاون.
وتظهر هذه المعطيات خطورة الظاهرة وضرورة معالجتها.
وأمام الارتفاع غير مسبوق في عدد الأشخاص الذين اختاروا وضع حد لحياتهم، يعمل الناشطون المدنيون على التحذير من خطوة هذه الظاهرة، فيما تحرك المجلس الإقليمي لمطالبة هيئات دستورية بفتح نقاش حول أسبابها وآثارها.
مبادرة شبابية ضد الانتحار
وأطلقت فعاليات شبابية حملة رقمية تحت اسم "شباب ضد الانتحار" للتوعية ضد الظاهرة التي تستنزف عشرات الأرواح سنويا.
القائمون على المجموعة يعرفونها بكونها "مجموعة توعوية تنشر الوعي وتحذر من خطورة ظاهرة الانتحار التي أصبحت تسلب منا إخواننا وأحبتنا".
تقول هاجر شليح، إحدى المشرفات على المجموعة: "فكرنا في تأسيس هذه المجموعة الجديدة على فيسبوك، بعدما لاحظنا عدم التفاعل مع مجموعات سابقة في هذا الإطار، ومحدودية تواصلها مع الإعلام الوطني".
وأوضحت شليح، التي تترأس أيضا جمعية نساء الرحمة للتنمية والتضامن بشفشاون، في حديث لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "هذه المجموعة تعمل على التوعية ضد ظاهرة الانتحار على المستوى الوطني وليس على مستوى إقليم شفشاون فقط".
وكفاعلون مدنيون "نعمل حاليا على توعية الساكنة بخطورة هذه الظاهرة، ونحاول تأسيس إطار جمعوي شبابي ضد الانتحار"، تردف شليح.
أسباب الانتحار
وأكدت الناشطة المدنية أن "هناك تطبيع مع ظاهرة الانتحار في إقليم شفشاون، إذ أضحى سماع خبر انتحار شخص ما كأنه أمر عادي"، مضيفة أن "أخبار الانتحار تتوالى بشكل يومي في إقليم شفشاون، وتشمل جميع الأعمار والجنسين معا".
وتعتقد هاجر الشليح، رئيسة جمعية نساء الرحمة للتنمية والتضامن، أن "البطالة والفقر وهشاشة الأسر أحد الأسباب الرئيسية للإقدام على الانتحار في إقليم شفشاون".
وفي غياب معطيات رسمية حول الانتحار، يعمل يبذل الباحثون الاجتماعيون جهودهم فيما يخص ظاهرة الانتحار بإقليم شفشاون، على غرار ما يقوم به الباحث التربوي والاجتماعي بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية بالرباط، يونس الجزولي.
لقد توصل في إحدى دراساته الميدانية الجديدة، إلى أن "الظاهرة في تفاقم مستمر تفاقم مستمر تتجدد أسبابها ودوافعها باستمرار، وتتأثر تحديدا بالظروف الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والتي ازدادت حدتها خلال الحجر الصحي".
أرقام عن الظاهرة
وكشفت دراسة الباحث أنه "من أصل 22 حالة انتحار سجلت وطنيا في الفترة ما بين 20 مارس و20 أبريل 2020، تضم جهة الشمال أكثر من 54 بالمئة من مجموع الحالات، 70 بالمئة منها سجلت بإقليم شفشاون".
وأوضح الجزولي "منذ بداية عام 2021 وإلى حدود نهاية مارس الماضي، تم تسجيل 13 حالة انتحار بإقليم شفشاون".
والمثير في خلاصات الدراسة، "أن 64 بالمئة من المنتحرين أطفال يتابعون دراستهم، سنهم ما بين 8 أعوام و18 عاما"، فيما "نسبة الذكور المقبلين على الانتحار أكثر من النساء، إذ انتحر 8 ذكور مقابل 5 إناث".
أسباب أخرى
تعزى أسباب الانتحار في إقليم شفشاون، بحسب الدراسات الميدانية التي قام بها الباحث يونس الجزولي، إلى "عوامل اقتصادية مرتبطة بالفقر والهشاشة الاجتماعية وانتشار البطالة"، إلى جانب "عوامل اجتماعية ترتبط بالأعراف الاجتماعية والقبلية هي السائدة والمتحكمة في النسق الاجتماعي القروي".
ومن أجل تعزيز هذه المعطيات البحثية ، دعا المجلس الاقليمي في رسالة إلى رئاسة الحكومة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهي هيئة دستورية استشارية، لإجراء دراسة رسمية حول تنامي ظاهرة الانتحار بشفشاون.
بهذا الخصوص، أبرز رئيس المجلس الاقليمي لشفشاون، عبد الرحيم بوعزة، أن "الرسالة جاءت في إطار دق ناقوس الخطر والتفاعل مع الساكنة وفعاليات المجتمع المدني، لإثارة الانتباه بأن هناك مشكل خطير يهدد السلم الاجتماعي والأمن العام".
وقال رئيس المجلس الاقليمي لشفشاون: "كان لابد أن نثير انتباه المؤسسات الدستورية وعلى رأسها رئاسة الحكومة، لإجراء دراسة علمية لمصارحة الجميع بأن هذه الظاهرة سلبية، لكن مع معرفة أسبابها ما سيمكننا من ايجاد حلول لمعالجتها".
ويرى أن "موضوع الانتحار يؤرق كل المسؤولين والفعاليات المدنية بإقليم شفشاون، لذلك قمنا بمجموعة من المبادرات لمحاولة فهم الظاهرة بداية في إحدى دورات المجلس عندما استدعينا خبراء والمسؤول عن الصحة في الإقليم".
وتابع:"هؤلاء حاولوا أن يقدموا لنا تصورا عاما عن هذه الظاهرة، غير أنه يبقى تصورا تفاؤليا لم يكشف عن تشخيص حقيقي وإجابة حقيقة عن هذه الظاهرة السلبية في إقليم شفشاون شمال المغرب".