أشعل زواج القاصرات في المغرب حالة من الجدل مجددا، في ظل تراجع كبير في عدد العقود إلا أنها لا ترقى إلى التطلعات، في حين أن المادة 20 من مدونة الأسرة لا تزال تثير غضب الكثيرين.
وكشفت إحصائيات رسمية أفرجت عنها وزارة العدل المغربية، عن تراجع ملموس في أعداد زواج القاصرات.
وأكد وزير العدل، محمد بنعبد القادر، أن زيجات القاصرين تتجه نحو الانخفاض عام بعد آخر"وإن كانت نتائج الإحصائيات لا ترقى إلى التطلعات".
وأوضح المسؤول، أنه تم خلال عام 2014 تسجيل 33 ألف و489 عقدا لهذا النوع من الزيجات، وانخفض هذا العدد في عام 2015 ليصل إلى 30 ألف و230 عقدا، ثم انخفض خلال عام 2016 إلى 27 ألفا و205 عقود.
وواصل الوزير بأن هذا الرقم استمر في الانخفاض خلال السنوات الموالية ليصل عام 2019 إلى 20 ألفا و738 عقد ووصل خلال عام 2020 إلى 12 ألف و600 عقد، وهو ما يشكل 6.48 بالمئة من مجموع عقود الزواج المبرمة.
المسؤول الحكومي أكد أن المغرب يولي اهتماما خاصا لهذا النوع من الزواج منذ صدور مدونة الأسرة، وعمل على اتخاذ عدد من التدابير والإجراءات من أجل تفعيل التطبيق الأمثل للمقتضيات التي نصت عليها مدونة الأسرة، لكي لا يتحول الاستثناء إلى أصل، مبرزا أن الوزارة تفاعلت بإيجابية مع مقترح قانون يرمي إلى تعديل المادة 20 من مدونة الأسرة.
التعديل الجديد ينص على أنه "لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية المنصوص عليه في المادة 19، على ألا يقل سن المأذون له عن 16 عاما، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة وجوبا بخبرة طبية وبحث اجتماعي. وفي جميع الأحوال ينبغي على القاضي أن يراعي تقارب السن بين الطرفين المعنيين بالزواج".
سبب الزواج
وتعزو النائبة البرلمانية المغربية، ابتسام عزاوي لجوء بعض الأسر لتزويج بناتها قبل بلوغ السن القانوني إلى الهشاشة والفقر والحاجة المادية.
وقالت في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "الدافع يكون في غالب الأحيان اقتصاديا صرفا، إما للتخلص من العبء المادي أو لكون الزوج قد يساهم في إعالة أسرة الفتاة، وأحيانا أخرى تكون الأسباب ثقافية. وهنا يكمن دور التوعية عبر الجمعيات والإعلام ومختلف الفاعلين، من أجل تغيير هذه الأفكار المتجاوزة التي لا تليق بمغرب اليوم".
قلق النيابة العامة
إذا كانت وزارة العدل ترى الأمور من زاوية "إيجابية" وتلاحظ تراجعا كبيرا في أرقام زيجات القاصرات، فإن الأمر لا يزال يقض مضجع النيابة العامة.
هذه الأخيرة، كشفت في تقرير لها صدر في عام 2019، أن المحاكم تعج بطلبات الإذن بزواج القاصرات، فقد تلقت في نفس العام، ما يعادل 27623 طلبا للإذن بزواج القاصر، ما يجعل الظاهرة مقلقة ومستأثرة بالاهتمام.
وقوفا على هذه الأرقام، قال الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة: "إذا كنا كقضاة غير مسؤولين عن الأرقام المهولة من الطلبات الرامية إلى تزويج القاصرات لارتباط ذلك بمجموعة من العوامل السوسيو-ثقافية والاقتصادية والتنموية وغيرها، فإننا بالمقابل مسؤولون عن عدد الأذونات الممنوحة. وهو الأمر الذي يدعونا لعدم إفراغ الاستثناء التشريعي من محتواه والحرص الدائم على توخي المصلحة الفضلى للطفل، كما أن الوضع يتطلب كافة المتدخلين لحماية الأطفال لتكثيف الجهد للحد من الظاهرة".
وتضع رئاسة النيابة العامة اللمسات الأخيرة لدراسة تشخيصية حول موضوع زواج القاصر، والتي تهدف إلى الوقوف على الحجم الحقيقي للظاهرة، لأن الأرقام الرسمية المعلنة ليست دائما دقيقة، باعتراف المسؤولين، ولا تعكس الواقع، فهناك حالات لزواج القاصر لا تدخل في الأرقام الرسمية كزواج الفاتحة.
جدل حول الفصل 20
المدافعات عن حقوق المرأة في المغرب اليوم يجدن أنفسهن في مواجهة مع فصول قانون الأسرة، أو ما يطلق عليه بـ"المدونة" إما "لوجود ثغرات قانونية" تم استغلالها بشكل سيئ أو بسبب عدم مواكبتها للعصر وتوفر معطيات جديدة تستلزم تحيينها.
وقالت النائبة في البرلمان المغربي، ابتسام عزاوي في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": زواج القاصرات من الظواهر المجتمعية المؤسفة. وبفضل نضالات عدد من الحركات النسائية والحقوقية والمجتمع المدني تم تقليص عدد هذه الزيجات."
واسترسلت: "يجب إعادة النظر في منح القاضي صلاحية التحكيم وإعطاء الاستثناء في تزويج الفتاة القاصر، وهنا تدخل الأعراف والتقاليد وتؤخذ بعين الاعتبار كمبرر. يجب إذن سد الثغرات التشريعية الموجودة حاليا والتي يتم استغلالها بشكل سيئ."
البرلمانية أضافت في معرض حديثها أن "القاصر تعني قاصر. ولا أتصور أن هناك مبررات عقلانية ومعقولة لتجريد الفتاة القاصر من طفولتها ولتبرير اغتصابها بشكل قانوني عبر مؤسسة الزواج. أعتبرُ أن الأمر غير معقول."
ومن بين المطالب النسائية، إلغاء الفصل 20 من المدونة الذي يعطي للقاضي استثناء في تزويج الفتاة القاصر آخذا بعين الاعتبار مجموعة من المقتضيات كمراعاة الأعراف والتقاليد التي تحتم على بعض المناطق زواج البنت وهي صغيرة السن، أو وجود علاقة حب بين فتاة لم تصل إلى السن المؤهلة للزواج بعد، وشاب يقاربها في السن.
في هذا السياق، أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، أن زواج القاصرات من القضايا ذات الراهنية الكبرى في المجتمع لتأثيرها المباشر على حق الطفل في الحياة والنماء والرفاه والسلامة الجسدية والنفسية، وغيرها من الحقوق التي تكفلها المواثيق الدولية ذات الصلة.
وأضاف الداكي، خلال ورشة نظمتها رئاسة النيابة العامة، في 12 من أبريل الماضي بمراكش (جنوب)، حول زواج القاصر والهدر المدرسي، أن المغرب بصفته دولة طرفا في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل واتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج وتسجيل عقود الزواج وغيرها، وتماشيا مع التزاماته الدولية، لاءم قانونه الوطني وحدد سن الأهلية للزواج في 18 سنة شمسية كاملة كقاعدة عامة.
واستطرد "غير أن المغرب وضع استثناء على ذلك كغيره من الدول وسمح بزواج من لم يبلغ السن القانوني، وأخضعه لمجموعة من الشروط وأهمها أنه جعل الإذن بيد القضاء ومنحه سلطة تقديرية في منح الإذن من عدمه، مع إصداره مقررا معللا يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة للإذن بعد الاستماع للأبوين والاستعانة بخبرة طبية أو بحث اجتماعي، وذلك توجها من المشرع نحو حماية الطفل ومراعاة مصلحته الفضلى في ذلك".
ثغرات في القانون
قال أنس سعدون، عضو بنادي قضاة المغرب، أن مدونة الأسرة وإن وحدت سن الزواج بين الجنسين في 18عاما، إلا أنها أجازت وبشكل استثنائي النزول عن هذا السن بمقتضى مقرر قضائي معلل يبين مصلحة القاصر، بعد الاستماع إلى أبوي القاصر والقيام ببحت اجتماعي أو إجراء خبرة طبية.
المتحدث أضاف، خلال ندوة نظمها المركز الوطني للدراسات القانونية ووحدة قانون الأسرة والعلاقات الدولية الخاصة، أن حصيلة تطبيق مدونة الأسرة كشفت الثغرات في المواد المتعلقة بزواج القاصر، بحيث أن المشرع لم يلزم المحكمة بالاستماع إلى الطرف القاصر، كما أن الطرف الراشد أو "الخطيب" يعتبر أجنبيا عن هذه المسطرة، والحال يفرض اعتباره طرفا رئيسيا.
ولاحظ سعدون أنه بالرغم من القيود التي فرضها المشرع المغربي، يبقى زواج القاصر في أحوال كثيرة محكوما عليه بالفشل وهو ما يبدو في كثرة النزاعات المترتبة عنه، من دعاوى نفقة، وتطليق وإهمال أسرة وشكايات طرد من الزوجية، وعنف زوجي، حيث تكتشف العديد من الفتيات وجود هوة بين تصورهن المثالي لمؤسسة الزواج والواقع الذي يعشنه.
ودعا سعدون إلى التعجيل بتعديل المقتضيات القانونية التي تؤطر الموضوع إما بمنع زواج القاصر بشكل نهائي بتثبيت القاعدة وإلغاء الاستثناء، أو على الأقل وضع حد أدنى لسن الزواج وتحديده في 17 عاما، وإحاطة هذا الزواج بضمانات قانونية تكفل عدم استعماله كوسيلة للتحايل على القانون، وتكفل أيضا الوقوف على المصلحة الفضلى للقاصر.