يبدو واضحاً أن مراكز القرار الرئيسية في إقليم كردستان العراق قد اتخذت قراراً قطعياً بإقرار دستور لإقليم كردستان، وذلك بعد أكثر من خمسة عشر سنة من محاولات الطرح الأولى للموضوع، التي تمت عقب إقرار الدستور العراقي عام 2005، الذي أقر بإقليم كردستان ككيان فيدرالي ضمن العراق، لكن عدد من المُعيقات حالت دون ذلك.
مصدر مُقرب من رئيسة برلمان إقليم كردستان العراق، ريوزار فائق، أكد في حديث مع "سكاي نيوز عربية" أن القوى السياسية في الإقليم، بالذات الحزبين الرئيسيين، تستشعر راحة وثقة بالنفس، بعد عدد من المنغصات التي طالت الإقليم خلال الأعوام الماضية، وباتت متفقة عموماً على تجاوز خلافاتهم بشأن إقرار الدستور.
وأضاف المصدر في حديثه مع سكاي نيوز عربية: "حدثان جوهريان خلال الشهور الستة الأخيرة كانا مشجعين للغاية، تمثل الأول بالتوافقات السياسية العراقية بشأن الموازنة الاتحادية وقدرة إقليم كردستان العراق على تحصيل حصة عادلة منه. الأمر الثاني تمثل بزيادة التعاون والتنسيق الأمني والعسكري بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية، بالذات في المناطق المتنازع عليها".
برلمان إقليم كردستان العراق كان قد وزع مسودة غير رسمية لمشروع الدستور، وقال إنه يتوقع من القوى السياسية الكردستانية أن تُبدي موقفها وملاحظاتها ومُقترحاتها البديلة خلال الأسابيع المقبلة، لتدخل مسودة المشروع طور النقاش السياسي والإعلامي، ولتطرح للتصويت البرلماني والشعبي فيما بعد.
مسودة المشروع تألفت من 122 مادة دستورية، تضمنت قسماً يتعلق بتعريف الإقليم وحدوده وهويته السياسية والاجتماعي، وآخر يتعرض لشكل السلطات في الإقليم وتقسيمها واستقلالها عن بعضها، وأقسام للحقوق والواجبات التي يحميها الدستور لمواطني الإقليم وشكل علاقة الإقليم مع السلطات المركزية في الإقليم.
المبادئ الأولى للمسودة أقرت بكردستان كإقليم من دولة العراق، والنظام البرلماني الجمهوري نظاما للحكم. لكن الحدود الإدارية التي تضمنتها المادة الثانية من المبادئ، تضمنت إلى جانب المحافظات الثلاثة التي يتألف منها الإقليم راهناً، كل المناطق المتنازع عليها بين حكومة الإقليم والحكومة المركزية العراقية، بالذات محافظة كركوك، رغماً أن المسودة أقرت بأن الحدود السياسية للإقليم ستُحدد حسب المادة 140 من الدستور العراقي، مع منع إنشاء أي أقاليم ضمن الإقليم نفسه.
الكاتب والباحث الكردي زوهراب هماوندي قال لـ"سكاي نيوز عربية" إن الإرادة السياسية في الإقليم تتجه لتبني كل القيم التي يدافع عنها الإقليم في الدولة الاتحادية، بالذات فيما خص مدنية الحُكم واحترامه للتنوع القومي والديني والمذهبي لمواطني الإقليم.
وأضاف هماوندي في حديثه: "تتجاوز بنية مسودة الدستور أي نزوع قومي تجاه اعتبار الإقليم مجرد منطقة كردية، بل يقر بالهوية القومية للمواطنين التركمان والعرب والأرمن والآشوريين في الإقليم، ويعتبر اللغة العربية لغة رسمية في عموم الإقليم إلى جانب الكردية، كذلك يقبل باللغات التركمانية والآشورية في الوحدات التي يشكلون فيها أغلبية سكانية".
وتابع قائلا "الأمر نفسه يتعلق بموقع الدين من الدستور، إذ يقر الدستور باحترام الإسلام كهوية لشعب كردستان، ومصدراً للتشريع، مع التشديد على عدم سن أي قانون يتعارض مع الحقوق والحريات الأساسية، ويمنح كوتا للنساء في المؤسسات العُليا بقرابة الثُلث على الأقل".
ولا تتوقع الأوساط السياسية والثقافية والاقتصادية في الإقليم أن تحدث خلافات شديدة بشأن القضايا الدينية والاقتصادية في دستور إقليم كردستان العراق. حيث أنه ثمة شبه توافق عمومي بشأنها، بالإضافة إلى ضعف تأثير الأحزاب الدينية واليسارية في الإقليم على القواعد الاجتماعية.
لكن الأنظار تتجه إلى الخلافات الشديدة بشأن نظام الحُكم الداخلي في الإقليم، حيث، حسب مسودة الدستور المعروضة، فإن نِظام الحُكم سيكون رئاسياً بشكل شبه مُطلق، لأن الرئيس سيُنتخب بشكل مباشر من الناخبين، وتالياً سيكون للبرلمان ورئاسة الوزراء دور ثانوي، حسب تلك المسودة، الأمر الذي يعني بأن عهد الحُكم بالتوافق بين الحزبين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، في الإقليم سيكون قد انتهى، وأنهما سيدخلان مرحلة من التنافس الحاد فيما بينهما.
الباحث والناشط بهجت جناري قال في حديث مع "سكاي نيوز عربية" إنه ثمة 3 مهام يجب على القوى السياسية في الإقليم تجاوزها قبل دخول المرحلة العملية لإقرار الدستور: "أولاً موضوع توحيد الإدارات بين منطقتي أربيل والسليمانية، بالذات في القطاعين العسكري والاقتصادي. كذلك فإن القوى السياسية يجب عليها أن تتوحد فيما بينها بشأن البنود الخلافية في المسودة المعروضة، التي تكاد أن تكون قرابة ثلثي المواد الموضوعة في المسودة. وبعد ذلك فأن سلطات الإقليم مُجبرة على خلق توافق مع الحكومة المركزية العراقية، حتى يتم إقرار الدستور في أجواء إيجابية".
وكانت جامعة كردستان الخاصة في مدينة أربيل عقدت، أمس الأربعاء، مؤتمراً خاصاً بالدستور المزمع إقراره، حضرته كافة القوى والقيادات السياسية في الإقليم، التي توافقت فيما بينها على أهمية الإقرار في سبيل خلق تنمية مستدامة واستقرار سياسي في الإقليم.
وقد أظهر المؤتمر اهتماماً دولياً بمشروع الدستور في إقليم كردستان العراق، إذ حضرته الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس-بلاسخارت، التي طالبت خلال المؤتمر بتوحيد الإدارات بين مناطق الإقليم، واحترام قيم التنوع والحريات العامة والسياسية في الإقليم، ليكون الإقليم أكثر مناعة وفائدة لصالح كامل العراق، حسب تعبيرها.