تواصل الجزائر منح اللغة الأمازيغية مكانتها التي تستحقها كإحدى أبعاد الهوية الوطنية المنصوص عليها في الدستور، فبعد عدة مكاسب حققتها هذه اللغة خلال السنوات الأخيرة في جانبها الأكاديمي والثقافي، تتجه اللغة الأمازيغية نحو تسجيل حضورها في الجانب الاقتصادي والإداري من خلال تدوينها على العملة الوطنية والوثائق الرسمية.
وتأتي هذه التحولات بعد تعديل دستوري سنة 2001 أدرجها لغة وطنية ثم لغة رسمية في دستور 2016 وترسيم رأس السنة الأمازيغية "يناير" عيدا وطنيا سنتين فيما بعد. وإضافة إلى تدريسها، تستمر اللغة الأمازيغية في الجزائر تعزيز حضورها وفق نظرة وطنية جامعة.
وكان قد أكد الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية (مؤسسة أكاديمية حكومية)، سي الهاشمي عصاد أن الهيئة التي يشرف عليها تعمل على تعزيز المكتسبات المحققة من أجل ترقية مهمة وإعادة تأهيل اللغة الأمازيغية في شتى القطاعات.
تدوين جديد
وفي هذا السياق، أفادت تقارير إعلامية محلية أن هناك قرارا جديدا خاص بتدوين الأمازيغية، حيث نقلت عن الأمين العام للمحافظة السامية للأمازيغية، الخميس، أن مصالحه تعمل مع وزارة الداخلية وبالتنسيق مع بنك الجزائر من أجل تدوين اللغة الأمازيغية في النقود والوثائق الرسمية.
وكشف الهاشمي عصاد خلال ندوة صحفية عقدها بمقر إذاعة بومرداس (شرق الجزائر) أنه "قد تم خلال الأسبوع الماضي تدوين المحافظات الجديدة باللغة الأمازيغية". وللإشارة فهي عشر محافظات تم إنشائها في إطار تقسيم إداري جديد.
النسخة الأمازيغية من الدستور
وللغة الأمازيغية عدة مكتسبات في الفترة الأخيرة حيث أنه لأول مرة تم إصدار نسخة من الدستور الجزائري باللغة الأمازيغية في أبريل الماضي، مكتوبا بالحروف المعمول بها (التيفيناغ واللاتيني)، إلى جانب النص الأصلي باللغة العربية.
وأوضحت المحافظة السامية للأمازيغية (صاحبة الإصدار) أن ترجمة النص العربي إلى الأمازيغية تم بفضل خلية الترجمة للمحافظة السامية، التي تتضمن حاملي شهادات ماستر في اللغة والثقافة الأمازيغية.
وتم انجاز النسخة الأمازيغية من الدستور، على إثر التجمع البيداغوجي في شكل ورشة نظمت بمحافظة البويرة تحت إشراف وتأطير مجموعة من المترجمين والجامعيين والكتاب.
كما تم الاستعمال الصحيح للمصطلحات الأمازيغية وخصوصيات اللغة العامية المستخدمة على مستوى التراب الوطني الجزائري، في نص هذه الترجمة المكتوب بالحروف اللاتينية والتيفيناغ إلى جانب النص الأصلي باللغة العربية.
وتلعب المحافظة السامية للأمازيغية التي مقرها بالجزائر العاصمة وهي تابعة لرئاسة الجمهورية دورا في ترقية هذه اللغة، وعلاوة على الاستشارات التي تقدمها تكلف هذه المؤسسة بمهمة الإسراع في ترقية الأمازيغية ودمجها في النظام التعليمي والإعلامي والسياسي.
ومن بين آخر إنجازات المحافظة السامية في هذا المجال حسب مسؤولها الأول إعداد ترجمة للغة الأمازيغية بكل مكوناتها لبيان أول نوفمبر 54 (الخاص بثورة التحرير) ونصوص ووثائق إدارية متنوعة تخص تأسيس الدولة الجزائرية وتدوين أناشيد وأغاني بالأمازيغية تعود لحقبة الاستعمار.
خطوة لتعزيز المكاسب
واعتبر بعض المهتمين باللغة الأمازيغية في الجزائر أن التوجه نحو تدوينها على العملة والوثائق الرسمية خطوة مهمة من شأنها إعطاء هذه اللغة مكانتها التي تستحقها والتي منحها إياها قبل كل شيء الدستور في مادته الرابعة.
واعتبر الكاتب والباحث والناشر باللغة الأمازيغية، ابراهيم تازغارت في تصريح لـ"موقع سكاي نيوز عربية" أن هذه القرارات "خطوة إيجابية" في إطار "تجسيد روح الدستور الجزائري" الذي ينص في مادته الرابعة على أن الدولة تعمل على ترقية وتطوير تمازيغت بكل تنوعاتها اللسانية المستعملة عبر التراب الوطني.
ويرى تازغارت في معرض تحليله للتطورات التي تعرفها اللغة الأمازيغية في الجزائر، أن تواجد تمازيغت على العملة أو في الوثائق الرسمية لديه "معنى رمزي مهم"، مؤكدا أن "الجزائر منذ مدة تعمل على ترقية اللغة الأمازيغية في تصالح تام مع ذاتها خاصة بعد ترسيم يناير عطلة وطنية مدفوعة الأجر".
وللإشارة، فإن الجزائر تعتبر أول دولة في منطقة شمال إفريقيا التي تجعل من "يناير" عيدا وطنيا وعطلة مدفوعة الأجر، يحتفل به مواطنوها رسميا، وجاء هذا القرار قبل سنوات في إطار تعزيز الهوية الوطنية بمختلف مكوناتها وإعطاء الثقافة الأمازيغية مكانتها الحقيقية.
ويختتم الباحث تازغارت تدخله بالتأكيد على "ضرورة تحقيق نظرة ومشروع وطني للنهوض باللغة الأمازيغية ميدانيا لأن اللغة لها دور في بناء الثقة للإنسان".