تتصدر ملفات أمنية شائكة أجندة زيارة الرئيس الإريتري أسياس افورقي للخرطوم التي بدأها الثلاثاء وتستمر يومين. وتشمل تلك الملفات الوضع في المثلث الحدودي المتاخم لإقليم تيغراي الأثيوبي والخلافات المتفاقمة بين السودان واثيوبيا حول ملفي الحدود وسد النهضة.
هذا إلى جانب المخاوف المتعلقة بأنشطة محتملة لجماعات إرهابية مناوئة لنظام أفورقي والوضع الأمني في منطقة القرن الأفريقي على ضوء الأزمة الصومالية الاخيرة.
ويرى مراقبون ان الزيارة تأتي في ظل استشعار اسمرا بالمخاطر الكبيرة التي يمكن أن تلحق بها إذا ما تفاقمت حدة التوتر أكثر بين إثيوبيا والسودان بشأن الأزمة الحدودية حول منطقة الفشقة والتي اندلعت في نوفمبر الماضي.
وتتهم بعض الدوائر إريتريا بتأجيج تلك الأزمة والانحياز للجانب الإثيوبي سواء عبر الدعم المباشر الذي تقدمه لمجموعات الأمهرا، أو عن طريق إشعال الأوضاع الداخلية في إقليم التيغراي الاثيوبي، وبالتالي زيادة تدفقات اللاجئين الإثيوبيين إلى داخل الاراضي السودانية.
وفي هذا الإطار يؤكد عادل محمد إبراهيم الباحث في الشئون الأفريقية أن الزيارة تأتي في ظل توتر كبير بين إثيوبيا والسودان ومصر حول سد النهضة وهو ما يهدد أمن المنطقة عموما والبحر الأحمر بشكل خاص.
ويقول إبراهيم لموقع سكاي نيوز عربية أنه ووفقا لما رشح من تقارير فإن إفورقي يسعى لطرح رؤية محددة حول أزمتي سد النهضة والحدود، لكن من غير المعلوم حتى الآن طبيعة وتفاصيل تلك الرؤية ومدى فرص نجاحها.
قضايا ثنائية
ولا تغيب القضايا الثنائية عن الأجندة الرئيسية التي تستهدفها الزيارة خصوصا في ظل توجس أسمرا من وجود خلايا معارضة لها داخل الأراضي السودانية منذ استقلال أريتريا عن أثيوبيا في العام 1993.
وتعتبر هذه الزيارة هي الثالثة لأفورقي للسودان بعد الإطاحة بنظام البشير، الذي ظلت أسمرا تتهمه منذ أكثر من 25 عاما بدعم جماعات جهادية إريترية تسعى لزعزعة استقرار البلد الوليد آنذاك. وزاد التوتر أكثر في فبراير 2018، بعد أن أغلقت حكومة البشير آنذاك الحدود نتيجة اتهامات متبادلة بإيواء المعارضين وتغذية أنشطة التهريب.
ورغم ان تهدئة التوتر الإقليمي هو العنوان الأبرز للزيارة الحالية، إلا أن من الواضح أن الخلافات الثنائية العالقة ستأخذ حيذا أكبر من النقاش، إذ يعتبر مراقبون أن العلاقة بين البلدين لم تصل بعد إلى مرحلة الحسم النهائي لنقاط الخلاف التاريخية بسبب التعقيدات التي ظلت تلازمها منذ العام 1997. ويشير
الكاتب الصحفي صديق محيسي في حديث لموقع سكاي نيوز عربية قال إن تلك التعقيدات التي وصلت إلى مداها في العام 1997 عندما استقبلت إريتريا المعارضة السودانية وسلمتها السفارة في أسمرا ردا على الخطوة التي قام بها حسن الترابى زعيم الجبهة الإسلامية الحاكمة آنذاك والمتمثلة في دعم وتكوين تنظيم الجهاد الإريترى لشن عمل مسلح لأسقاط نظام اسمرة. ورغم أن البعض يرى أن الإطاحة بنظام البشير عبر ثورة شعبية في أبريل 2019 قد يمهد الطريق أمام وقف أنشطة المجموعات الجهادية المناوئة لأفورقي، إلا أنه قد يثير في الجانب الآخر مخاوف من أن يلهم ثورة شعبية مماثلة داخل الأراضي الإريترية.
المثلث الحدودي
منذ اندلاع حرب إقليم التيغراي في نهاية العام الماضي ظلت منطقة المثلث الحدودي الرابط بين السودان وإثيوبيا وإريتريا تشكل هاجسا أمنيا كبيرا ليس للسودان فقط، بل بالنسبة للمجتمع الدولي بأكمله.
واستقبل السودان حتى الآن أكثر من 120 ألف لاجئ من الفارين من حرب التيغراي في ظل أوضاع إنسانية وأمنية واقتصادية معقدة زاد من خطورتها التوتر الحدودي في منطقة الفشقة التي تتمدد فيها مليشيات إثيوبية مسلحة خصوصا خلال أشهر الخريف.
وفي هذا السياق يقول الباحث عادل ابراهيم إن زيارة أفورقي الحالية لا تنفصل عما يجري في المنطقة الشرقية خصوصا ان الخرطوم تتهم أسمرا بالوقوف مع اثيوبيا ودعمها عسكريا، وسط تقارير عن حشود عسكرية إريترية في منطقة الحمرا داخل الأراضي السودانية.
ملف سد النهضة
يربط إبراهيم إيضا بين زيارة أفورقي الحالية للخرطوم والتحركات الدبلوماسية السودانية في القارة الأفريقية بشأن ملف سد النهضة والتي شملت بلدان عديدة من بينها أوغندا ورواندا والكونغو الديموقراطية. ولا يستبعد إبراهيم ان يسعى أفورقي للعب دور ما للملمة شظايا الملف التي تهدد مجمل الأمن الإقليمي.
وفي الواقع يتصدر ملف توترات سد النهضة اهتمامات القارة الأفريقية خصوصا بعد فشل مفاوضات كنشاسا مطلع أبريل الماضي وتصاعد الحرب الكلامية وحدة الاتهامات بين البلدان الثلاثة.
ومنذ 2011 انخرطت اديس والخرطوم والقاهرة في مفاوضات شاقة حول سد النهضة الذي تبنيه اثيوبيا على بعد 15 كيلومترا من الحدود السودانية. وتعثرت المفاوضات كثيرا خلال الاشهر الماضية مما اثار مخاوف من احتمال الانجرار نحو مواجهات خطيرة تهدد مجمل امن المنطقة.
ويرى ابراهيم ان التحركات الاخيرة وبما فيها زيارة افورقي الحالية للخرطوم ربما تسعى لاحتواء هذه الازمة المتفجرة والتي ترتفع حدتها بشكل ملحوظ مع تزايد المخاوف من اندلاع حرب خصوصا بعد تصريحات اثيوبيا الاخيرة والتي اعتبرت فيها التنسيق العسكري المصري السوداني بمثابة إعلان حرب عليها.