احتفلت مصر يوم الاحد 25 فبراير بالذكرى الثامنة والعشرين لتحرير سيناء، تزامنا مع تدشين عدد كبير من المشروعات التنموية بالمحافظة مع استمرار جهود مكافحة الإرهاب.
وقدمت مصر نموذجا تاريخيا في ملف مكافحة الإرهاب والتطرف على مدار الست سنوات الماضية، ونجحت في خفض وتيرة العمليات لمعدلات غير مسبوقة مقارنة بالعام 2014 الذي شهد تحالفات إرهابية، وتمويلات ضخمة، وعمليات على نطاق واسع في كافة المحافظات المصرية جاءت رداً على سقوط جماعة الإخوان عن حكم البلاد جراء الثورة الشعبية في 30 يونيو، وكان لسيناء النصيب الأكبر منها، حيث وضعها الإخوان في قلب خطة إرهاق الأمن المصري، وبوابة لأحلام العودة إلى الحكم.
وكان الإرهاب أحد أهم التحديات التي واجهت مصر منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في عام 2014، ووفق تصريحات سابقه له، "فإن الإرهاب كان أخطر التحديات التي تقوض مصر نحو تحقيق الاستقرار والتنمية، وأن الدولة المصرية بذلت جهودًا مضنية من أجل الانتصار في هذا الملف".
تضحيات عظيمة
ويقول اللواء سمير فرج، مدير إدارة الشؤون المعنوية السابق، إن بلاده اعتمدت على مجموعة من المحاور في استراتيجيتها الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف، وقدمت خلالها تضحيات عظيمة من خيرة أبناء الوطن، ركزت بشكل أساسي على الضربات الأمنية وملاحقة العناصر الإرهابية، وفي الوقت ذاته شرعت في تنمية المناطق المتطرفة والصحراوية التي استغلتها تلك التنظيمات وفي مقدمتها شمال سيناء، لتنفيذ عملياتها.
ويوضح فرج في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن مصر بدأت تنفيذ استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب والتصدي للعمليات التي استهدفت مؤسسات الدولة وقياداتها منذ عام 2014، كما نفذت خطط محكمة وضربات استباقية مكثفة على مواقع تلك التنظيمات، مشيرًا إلى أن العملية الشاملة سيناء 2018، نجحت في القضاء على المرتكزات الجغرافية الإرهابية، وكذلك ضبط قيادات تلك الجماعات، وتقليص موارد تمويلهم.
ويؤكد الخبير المصري أن نجاح مصر في ملف مكافحة الإرهاب، انعكس بشكل كبير على تحقيق الاستقرار والتنمية في الداخل، كما انعكس على قدرة مصر للعودة إلى لعب دورها الدولي والإقليمي كقوة راسخة في محيطها، فضلا عن أن النجاح في هذا الملف لا يمكن فصله أبداً عن رغبة بعض الدول في العودة للتقارب مع مصر.
وتابع فرج قائلا إن الأمن المصري نجح في هدم أكثر من 4000 نفق كانت تستخدم في نقل السلاح والدعم اللوجيستي والعناصر المدربة لتلك التنظيمات من الخارج، كما نجح في تدمير آلاف المخازن للأسلحة والذخائر، مما أدى إلى نقص كبير في الموارد لدى تلك الجماعات، ومع تشديد الرقابة على الحدود، وكذلك ممرات التمويل الخارجي لجأت التنظيمات المتطرفة في سيناء إلى زراعة " الحشيش" كمصدر تمويل بديل، لكنها فشلت في ذلك أيضا بسبب الصحوة الأمنية والملاحقات المستمرة لها.
التنمية.. سلاح مصر الناجع في مكافحة الإرهاب
ويرى اللواء سمير فرج أن التنمية كانت أهم عوامل نجاح التجربة المصرية في مكافحة الإرهاب، حيث أن الجماعات الإرهابية استغلت على مدار السنوات الماضية التهميش الذي عانت منه مناطق مثل سيناء، وكونت مرتكزات لها فيها واخضعتها لتكون مسرحا لعملياتها، لكن انتباه القيادة المصرية لأهمية تنمية سيناء وانطلاق مشروعات قومية عملاقة بإعادة تأهيل البنية الأساسية وتدشين المصانع ومراكز الخدمات في مناطق عدة بشمال سيناء نجح بشكل كبير إلى جانب الضربات الأمنية في دحر منظومة الإرهاب.
وأوضح فرج أن مصر عملت على مشروع متكامل لتنمية سيناء، وتم تطوير ميناء العريش وتوسيعه ورفع كفاءته ليضاهي الموانئ البحرية العالمية على ساحل البحر المتوسط، مشيرا إلى أن الميناء شهد أول حركة تصدير، أسمنت وغيره، خلال الأسبوع الماضي، وأيضاً مشروع استصلاح 400 ألف فدان من الأراضي الصحراوية، مما سيعود بالخير الكثير على الدولة، معتبرا أن هذا إنجاز كبير.
وفي حديثه لـ"سكاي نيوز" يشير الخبير المصري إلى نقطة غاية في الأهمية اعتمدتها مصر بشكل أساسي في استراتيجية مكافحة الإرهاب بالتنمية، وهى الاهتمام الكبير بأهالي سيناء، التي ظلت تعاني تهميشا ومشكلة في التعامل ونقص في الخدمات على مدار سنوات، لكن الرئيس السيسي أولى ملف تنمية سيناء وتقديم أفضل الخدمات لأهلها كأولوية في أجندة عمل الدولة، مشيرا إلى أنه للمرة الأولى ستشهد الكليات العسكرية المصرية قبول دفعات من أبناء أهالي سيناء، وهو ما سينعكس بشكل كبير جدا على تحسين بيئة الانتماء والمواطنة.
يؤكد فرج أن بلاده لم تعتمد على القوة العسكرية وحدها كرادع قوي للإرهاب، وإن كانت الفترة ما بعد عام 2014 كانت تتطلب تكثيف الضربات الأمنية لمواجهة العمليات المتنامية من جانب التنظيمات الإرهابية، لكن مصر وضعت القوة الاقتصادية والبشرية، وملف التنمية وتجديد الفكر ورعاية المواطن كركائز أساسية لم تغفل عنها يوما في ظل حربها الضروس ضد الإرهاب ومموليه.
وبنهاية عام 2019 خرجت مصر من تعداد الدول العشر الأكثر تأثراً بالإرهاب على المؤشر العالمي، وهو ما اعتبره مراقبون إنجازا في هذا الملف، وتستمر الجهود المصرية بشكل كبير في ملاحقة العناصر الإرهابية، وتنفيذ الضربات الاستباقية في مختلف المحافظات، كما تفرض قيودا صارمة على حركة التمويلات من الخارج لمنع وصول أي أموال لأيدي العناصر المتطرفة.
تجربة ملهمة
من جانبه، يصف الكاتب المصري ثروت الخرباوي نجاح بلاده في ملف مكافحة الإرهاب والتطرف بـ"المعجزة"، مؤكداً أن مصر نجحت في إجهاض مخططات دول مولت ووظفت جماعة الإخوان لتنفيذ أجندتها في المنطقة، مشيرا إلى أنه منذ عام 2011 شهدت مصر تحالفات إرهابية غير مسبوقة بين جماعات وقوى مختلفة تبدو أيدلوجياتها غير متوافقة، لكنها اتفقت على الأهداف وعملت لحساب بعضها البعض.
وأكد الخرباوي لـ"سكاي نيوز عربية" أن الاستراتيجية الأمنية لمكافحة الإرهاب تزامنت مع مبادرات حقيقية من جانب القيادة المصرية لتجديد الخطاب الديني وتغيير الأفكار المتشددة المتجذرة في بعض المجتمعات داخل البيئة المصرية.
وأوضح أن الفكر يصعب تغيره في وقت قصير لكن عمليات التغير والتجديد الفكري تأخذ وقتا طويلا، مشيرا إلى أن المواجه الأمنية كانت إجراء مرحلي هام ولابد منه لوقف نزيف الوطن من جراء العمليات الإرهابية التي وصل بعضها إلى قلب العاصمة، واستهدفت مؤسسات عسكرية ومدينة وصلت لحد تنفيذ عملية إرهابية أمام معهد الأورام لعلاج مرضى السرطان.
وأكد الخرباوي أن رهان مصر الحقيقي كان يتعلق بمدى قدرتها على تحقيق الاستقرار الذي يستحيل تحقيقه في ظل استمرار العمليات الإرهابية، لذلك فإن نجاح مصر في هذا الملف بالتزامن مع خريطة التنمية المستدامة، ساعد في عودة القوة الإقليمية والنفوذ الدولي لمصر، وهو أيضاً عامل قوة في منظومة التعاون مع الدول الأخرى وإبرام تحالفات استراتيجية على المستوين السياسي والأمني، مشيراً إلى التنسيق بين مصر ودول اوروبية مثل فرنسا في هذا الصدد وفي إطار خطة الثانية لإقرار استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب، مما يؤكد أن تلك الدول ترى أيضا أن التجربة المصرية كانت رائدة.