بعدما ازدادت حدة الجوع والفقر في سوريا، وجدت كثير من العائلات نفسها أمام خيار صعب: تشغيل أطفالهم، علّهم يساعدونهم في تأمين ضرورات العيش.
فأينما وليت وجهك في شوارع العاصمة دمشق ومحلاتها وورشها ستجد مشاهد الطفولة المغيبة عن المدارس والمنتشرة في كل مكان يعملون في ظروف قاهرة على الكبار.
وتتجلى هذه الظاهرة بكثافة وبين كلا الجنسين أمام أفران دمشق، حيث يتفرض أطفال في سن السادسة أو السابعة الأرض، ومعهم أكياس الخبز يبيعونها للمارة الذين يفضلون دفع مبلغ إضافي على ربطة الخبز، حتى لا يضطروا الوقوف ساعات طويلة في طوابير الانتظار.
ريماز طفلة في السادسة من عمرها تواظب الجلوس لساعات طويلة أمام أحد الأفران لتبيع ارغفة الخبز تقول ريماز لموقع "سكاي نيوز عربية" أنها تستيقظ في الصباح الباكر مع اشقائها ومهمتها بيع ربطات الخبز بسعر أعلى قد تصل إلى 2000 ليرة على كل ربطة (الدولار بـ2890 ليرة سورية ).
وتشتري الطفلة الصغيرة بما تبيه طعام العائلة.
وبات ملحوظا في مدن سوريا عدة مشاهدة أطفال صغار يعملون في شتى المهن، بعضها شاق، وبعضها الآخر في الشوارع.
وسوريا التي تعيش حربا أهلية منذ عام 2011، تعيش في الوقت الراهن تحت وطأة العقوبات الاقتصادية الأميركية المعروفة بـ"قانون قيصر"، مما أدى انهيار قيمة العملة وغلاء الأسعار.
أكياس أكبر من أجسادهم
وفي مناطق أخرى، يجوب أطفال لا تتعدى أعماره العاشرة المناطق السكنية، وهم يحملون على ظهورهم أكياس عملاقة تفوق حجمهم يجمعون القوارير البلاستيكية من القمامة ليبيعوها.
تقول أرملة وأم لطفلين هي نازحة من مخيم اليرموك بريف دمشق فضلت عدم ذكر اسمها لموقع "سكاي نيوز عربية" أنها فقدت منزلها وزوجها خلال معارك تحرير المخيم من المجموعات الإرهابية ممن تحصنوا في مخيم اليرموك.
ولم يبق أمامها لتأمين حياتها بعد خروجها سوى المبيت مع طفليها في الحدائق والبحث في القمامة لجمع ما يمكن بيعه ليسكتوا بثمنه رمق جوعهم .
وتضيف :"يعمل طفلي في جمع مفرغات النايلون البلاستيكية لنبيعها بثمن زهيد، وهما لا يتقنان القراءة والكتابة لعجزنا على ادخار تكاليف احتياجاتهما المدرسية من الكتب والثياب والمواصلات وبالكاد نسد جوعنا".
أسباب المأساة
قضية عمالة الأطفال ليست بجديدة في المجتمع السوري، لكن الحرب جعلتها مشهداً يوميا في حياة أطفال يتجرعون مرارتها بكل قسوة، واستفحلت أكثر من الأزمة الاقتصادية.
وتقول الناشطة المدنية والمرشدة النفسية، أفين شيخموس، لموقع "سكاي نيوز عربية" إن هذه الظاهرة مرتبطة الفقر والبطالة وفقدان معيل العائلة والنزوح وانهيار الوضع المعيشي.
وتابعت:" غياب المعيل عند نسبة كبيرة من الأسر السورية داخل وخارج سوريا بسبب الحروب التي نتج عنها النزوح وتدهور اقتصادي صعب وفقر فاجبر الأهالي على دفع أطفالهم إلى سوق العمل لتوفير إيجار السكن والإنفاق على الغذاء".
وأردفت: "الفتيات الصغيرات أيضاَ نلن نصيبهن من مرارة العيش والظروف السيئة فزج بهن في العمل في الشوارع فتجدهن يبعن المحارم والخبز أو يجمعن البلاستيك من القمامة أو يعملن كخادمات في البيوت والعديد منهن يزوجن في سن مبكرة جداً وكل ذلك أثر على صحتهن النفسية والجسدية".
وعمل الأطفال، حسب شيخموس، يعرص الأطفال إلى الضرر الجسدي والنفسي إلى العنف اللفظي والأذى البدني، وأجسادهم الصغيرة توقعهم ضحية التحرش الجنسي والاغتصاب .
وأشارت شيخموس إلى حملات توعية تطلقها جمعيات ومنظمات معنية بشؤون الطفل والأسر وهي موجهة لأسر الأطفال لتوعية الأهل إلى أخطار عمل الأطفال، إلا أن الحملات بحسب الناشطة المدنية لم تحقق نتائجها المرجوة بعد اتساع الظاهرة .