رسائل خاصة من الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يحملها وزير خارجيته سامح شكري، خلال جولته إلى عدد من الدول الإفريقية؛ لشرح تطورات ملف سد النهضة والموقف المصري حياله.
تتضمن زيارة وزير الخارجية المصري دول: كينيا وجزر القُمُر وجنوب إفريقيا والكونغو الديمقراطية والسنغال وتونس.
وسلّم شكري، الاثنين، الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، رسالة من الرئيس السيسي بشأن وضع المفاوضات الخاصة بسد النهضة والموقف المصري في هذا الصدد، أخذاً في الاعتبار الدور الكيني الرائد على الساحة الإفريقية في العديد من المجالات، وفي ضوء عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن ممثلة عن القارة.
وقالت الخارجية المصرية إن جولة "شكري" تأتي انطلاقاً من حرص مصر على إطلاع دول القارة الإفريقية على حقيقة وضع المفاوضات حول ملف سد النهضة الإثيوبي، ودعم مسار التوصل إلى اتفاق قانوني مُلزم حول ملء وتشغيل السد على نحو يراعي مصالح الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)، قبل الشروع في عملية الملء الثاني لبحرية السد واتخاذ أي خطوات أحادية.
ووصف دبلوماسيون مصريون ومحللون، تحدثوا لـ"سكاي نيوز عربية"، هذه الزيارة بـ"المهمة والاستراتيجية" من حيث توقيتها وأهدافها، والتي تعبر عن تحرك مصري متعدد تجاه الدول الأفريقية يهدف لبناء موقف مصري إفريقي من تطورات سد النهضة قبل الملء، وقبل المضي قدمًا في تدويل هذه القضية.
بدورها، قالت مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق للشئون الإفريقية، منى عمر، أن أهمية الزيارة تكمن في كونها تأتي في إطار الاستراتيجية الجديدة لمصر بالنسبة لشرح الموقف المصري والسوداني لكافة دول العالم وكسب التأييد للموقف المصري بالنسبة لقضية سد النهضة، خاصة أنها تتضمن رسائل خاصة من الرئيس السيسي إلى رؤساء وقادة هذه الدول حول تطورات ملف سد النهضة، ومن الأهمية بمكان إعلامهم بمستجدات المفاوضات.
وأضافت عمر في تصريحات لـ"سكاي نيوز عربية"، أن اختيار الدول التي تتضمنها الزيارة محدد للغاية، خاصة أنها تجمع دولا أعضاء بجامعة الدول العربية مثل جزر القمر وتونس، ودول لها وزنها بالاتحاد الإفريقي مثل الكونغو الديمقراطية التي تتولى الرئاسة الحالية للاتحاد، وكينيا التي تشغل العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن ممثلة عن القارة الإفريقية.
وأشارت عمر إلى أن الدول الست محور الزيارة تستطيع التأثير ضمن الدوائر التي تتواجد فيها عندما يتعرفون على حقيقة الموقف المصري وعدم صحة الادعاءات الإثيوبية، وبالتالي فهذه محاولة للتغيير في الرأي العام الدولي بالنسبة لموقف مصر من الأزمة.
وشددت الدبلوماسية المصرية السابقة أن كافة الدول يجب أن تدرك أن مصر بذلت كافة الجهود الممكنة طيلة 10 سنوات من المفاوضات المضنية دون التوصل لحل؛ نتيجة لإصرار الجانب الإثيوبي على التمسك بموقف متعنت وجائر على الحقوق المصرية والسودانية.
تعثر المفاوضات
وقالت منى عمر إنه "لا يوجد مسار للمفاوضات حاليا، ما لم تحدث حلحلة للموقف الراهن بتغيير في الرأي الإثيوبي الذي تسبب في جمود للمفاوضات".
وانتهت جولة المفاوضات الأخيرة في كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، مطلع أبريل الجاري، من دون التوصل إلى اتفاق بين إثيوبيا ومصر والسودان.
وتقول مصر والسودان إن إثيوبيا هي المسؤولة عن فشل المفاوضات التي وصفت بـ"الفرصة الأخيرة"، بسبب تعنتها ورفضها التوقيع على اتفاق ملزم بشأن السد.
وقبل أسابيع، حذر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن أي مساس بحصة بلاده في مياه النيل سيستدعي ردا "يؤثر على استقرار المنطقة بالكامل".
رسائل مهمة
وفي نظر مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي، فإن هذه الجولة "ضرورية" لشرح الموقف المصري من تطورات سد النهضة على ضوء تعثر المفاوضات في كينشاسا بداية هذا الشهر، كما تتضمن رسائل من الرئيس السيسي لرؤساء هذه الدول تشرح الموقف المصري ومدى أهمية التوصل لاتفاق بشأن قواعد الملء والتشغيل.
وقال هريدي إنه من الملاحظ أن الجولة تتضمن الكونغو الديموقراطية التي تتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي حالياً، ثم جنوب إفريقيا التي تشغل عضوية هيئة مكتب الاتحاد الإفريقي، وبالتالي فهناك غرض آخر من الجولة يتضمن تحفيز الاتحاد الإفريقي والدول الإفريقية لاتخاذ مواقف أكثر نشاطا في أزمة السد.
أما فيما يخص تونس، فيوضح هريدي أنها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن، وسبق أن وجهت مصر خطابا إلى رئيس مجلس الأمن لشرح تطورات موضوع سد النهضة بعد فشل المباحثات، وبالتالي فالمعلومات التي نوفرها لرئيس مجلس الأمن يجب أن نوفرها للعضو العربي الوحيد بالمجلس.
وقبل أيام، وجه وزير الخارجية سامح شكري خطابات إلى كل من سكرتير عام الأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة، طلب تعميمها كمستند رسمي تم من خلاله شرح كافة أبعاد ملف سد النهضة ومراحل التفاوض المختلفة وأخر التطورات.
مواجهة التلاعب الإثيوبي
واعتبر المحلل السياسي طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بالقاهرة، أن هناك تحركا مصريا متعددا تجاه الدول الإفريقية الهدف منه بناء موقف مصري إفريقي من تطورات سد النهضة قبل الملء الثاني، ولمواجهة الرسائل السلبية التي يطلقها الجانب الأثيوبي خلال الفترة الأخيرة بما في ذلك تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أمس بأن يتم الملء الثاني سيكون في موعده المحدد.
3 أهداف أساسية تبرز من هذه الجولة الإفريقية للوزير المصري، بحسب فهمي على رأسها حشد مواقف إفريقية مباشرة قبل تدويل الملف ونقله إلى الساحة الدولية خاصة أن التحرك يشمل دولا متنوعة على الصعيد الإفريقي والعربي.
وأوضح أن زيارة تونس لها أهمية خاصة كونها عضوًا غير دائم بمجلس الأمن وربما تقوم بالخطوات الإجرائية عن مصر في هذا الإطار حال نقل الملف لمجلس الأمن.
والهدف الثاني من الجولة يتضمن محاولة تقريب وجهات النظر بين مصر ودول حوض النيل لبناء موقف خارج نطاق الاتحاد الإفريقي "الذي تسيطر عليه الآن إثيوبيا وتسعى من خلاله لتأكيد حقها في التشغيل والقيام بأعمال من جانب واحد"، حسبما تحدث أستاذ العلوم السياسية بالقاهرة.
وأوضح أن الهدف الثالث يتضمن محاولة الدبلوماسية المصرية إحداث نوعا من التوازن مع التحركات الإثيوبية التي تتم في هذا التوقيت والتي تسعى إلى إفشال أي استراتيجية مصري لحشد التأييد الدولي، والتأكيد على الحقوق المصرية في مياه النيل وضرورة أن يكون هناك التزاما مباشرا من إثيوبيا بعدم الملء قبل وضع الضوابط والمعايير لعملية التشغيل الكامل.
ختاما يقول طارق فهمي إن "الزيارة سيكون لها تداعيات إيجابية في القريب العاجل".