أبدى المواطنون المغاربة ارتياحا كبيرا لإطلاق مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، خلال الحفل الذي ترأسه الملك محمد السادس، الأربعاء، وشمل توقيع الاتفاقيات الخاصة بتنفيذ المشروع، وهو ما اعتبره مراقبون تتويجا لعقدين من الإصلاحات المتلاحقة التي شهدتها البلاد.
والمشروع الذي سيستفيد منه المزارعون والعاملون في الصناعة التقليدية والتجار، ومقدمو الخدمات المستقلون، يتوقع أن يتم تعميمه ليشمل كل المغاربة.
وذهبت بعض التقديرات إلى أن أكثر من 20 مليون مواطن سيستفيدون من خدماته، والتي تشمل التغطية الصحية والتعويض عن فقدان الشغل وعن البطالة.
وبحسب بيانات رسمية، فإن المشروع الذي وُصف بـ "ثورة اجتماعية"، يتوجه أساسا إلى حماية الفئات الفقيرة من التقلبات الاقتصادية والمخاطر الصحية، مما يتطلب تأهيل "القطاع غير المهيكل" (غير الرسمي).
وساهمت الإصلاحات الاقتصادية التي أقدمت عليها المملكة، خلال العقد الماضي، في تخفيض القطاع غير المهيكل إلى مستوى أقل من 30 في المئة، بحسب معطيات صادرة عن بنك المغرب المركزي، بداية السنة الجارية.
درس كورونا وتأهيل القطاع الصحي
ويتجه مشروع الحماية الاجتماعية، بحسب ما أكده وزير المالية المغربي، محمد بنشعبون، إلى تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض خلال سنتي 2021 و2022، ليشمل الفئات المعوزة المستفيدة من نظام المساعدة الطبية، وفئات المهنيين والعمال المستقلين، وصولا إلى تمكين 22 مليون مستفيد إضافي من دعم تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء.
وفي هذا الصدد يقول النقابي والخبير في قطاع الصحة، حبيب كروم، إن "التحديات والصعوبات التي قد يواجهها هذا المشروع ستكون مرتبطة بالموارد المالية والبشرية والبنيات التحتية، وأحيانا ستكون راجعة إلى غياب الحوكمة الجيدة وغياب منطق ربط المسؤولية بالمحاسبة".
وأضاف كروم في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "المشروع سيتطلب تغيير المراسيم التشريعية والقوانين الحالية، وتأهيل المنظومة الصحية التي تعاني من عدة تحديات على مستوى البنيات التحتية والموارد البشرية والتوزيع غير العادل للخدمات الصحية، سواء على المستوى المحلي، أو بين المحافظات".
وكان تقرير "برنامج الأمم المتحدة للتنمية حول الفقر المتعدد الأبعاد" للعام 2019، قد أشار إلى تدني الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية، حيث لم يتجاوز سقف 5 في المئة، فيما يقدر عدد العاملين في القطاع الصحي المغربي بحوالي 32 موظف صحي لكل 10 آلاف نسمة، في حين وضعت الأمم المتحدة ضمن أهداف الحماية الاجتماعية الشاملة للعام 2030 كثافة العمالة الصحية كمؤشر إلزامي.
وفي الوقت الذي يعاني فيه حوالي13 في المئة من المغاربة الفقر الصحي، فإن البلاد تتوفر على ما يفوق 2000 مصحة عمومية، وقرابة 350 مصحة في القطاع الخاص، بحسب تقديرات حكومية، مما يجعل الخبراء يتوقعون أن تساهم خطة الحماية الاجتماعية في فتح الباب أمام الاستثمارات الصحية في القطاع الخاص.
وتؤدي هذه العوامل إلى رفع الجودة وتلبية الطلب، لا سيما أن تنفيذ هذه البرامج في أفق 2025 سيتطلب تخصيص مبلغ إجمالي سنوي يقدر بـ51 مليار درهم، منها 23 مليار سيتم تمويلها من الميزانية العامة للدولة.
فرصة للتطوير المالي والإداري
ومن جانبه يقول محمد الغواطي، أستاذ المالية العامة في جامعة محمد الخامس بالرباط، إن "تنزيل مشروع تعميم الحماية الاجتماعية، والذي سيشمل فئات كثيرة سواء في المرحلة الأولى أو الثانية، يتطلب اعتمادات مالية مهمة، وذلك من خلال قوانين مالية السنة والتي ستتضمن مختلف التدابير التي تم اتخاذها في هذا المجال"، في إشارة منه إلى الانتعاش الجديد الذي ستعرفه المالية العامة، خصوصا فيما يتعلق بحجم ارتباطها بدورة المال والأعمال في البلاد.
وأضاف الغواطي، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "هذه المبادرة ستعطي للمغرب فرصة مهمة لتفعيل الجانب المتعلق بالحقوق والحريات ضمن مقتضيات الدستور الجديد"، معتبرا أن ذلك "سيشكل تحولا في عمل الإدارة العمومية، ومدخلا إلى تجاوز تعقيد الإجراءات، فالمواطن سيصبح في قلب عمل المؤسسات، وبرامج الحماية الاجتماعية".
ونبه المتحدث إلى أن "اتفاق جميع أعضاء الأمم المتحدة، على أن تحقيق الحماية الاجتماعية الشاملة بحلول عام 2030، يعد من أهداف التنمية المستدامة، وسيرفع من فرص وإمكانيات حصول المغرب على دعم شركاء اقتصاديين دوليين لدعم برامج الحماية الاجتماعية".
ذروة سنام التنمية
وفي سياق متصل، أكد الباحث الاستراتيجي لحسن بوشمامة، في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أن "ما جاء به مشروع الحماية الاجتماعية من تفعيل للسجل الاجتماعي الموحد، وتعميم التعويضات العائلية خلال سنتي 2023 و2024، وتوسيع قاعدة المشتركين في أنظمة التقاعد، وكذا تعميم الاستفادة من التعويض عن فقدان الشغل سنة 2025، كل ذلك يشكل إنهاء للمشاكل الاجتماعية التي بقيت عالقة في المغرب طيلة عقدين من الزمن".
وأضاف بوشمامة أن "دراسة الفقر من زاوية علم الاجتماع في المغرب تبين أن محاور مشروع الحماية الاجتماعية كانت هي جوهر مطالب كل الاحتجاجات التي عاشها المغرب منذ سنة 2011"، مشيرا إلى أن "اللبنة الأساسية كانت هي روح دستور 2011، والحماية الاجتماعية هي ذروة سنام مشروع التنمية الشامل الذي بدأه المغرب منذ العام 1999".
وأردف ذات المتحدث أن "تنفيذ هذا المشروع سيجفف المنابع الاقتصادية للجريمة والإرهاب، وسيحقق السلم الاجتماعي في المغرب، كما سيجعل العنصر البشري يُلاقي طموحات الريادة المغربية قاريا وعالميا".