يواصل حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الائتلاف الحكومي في المغرب، رفضه لتقنين زراعة القنب الهندي في المناطق الشمالية للمملكة.
ويعمل فريق الحزب في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) بشكل حثيث، على "محاصرة" إقرار مشروع القانون المتعلق بالاستخدامات المشروعة للقنب الهندي، قبل انتهاء الدورة التشريعية الربيعية الحالية.
وطالب الفريق المذكور، رئيس مجلس النوب بآراء مؤسسات دستورية وبتشكيل مهمة استطلاعية برلمانية، في خطوات اعتبرها المراقبون خطة لحزب العدالة والتنمية لإبقاء مشروع القانون حبيس رفوف البرلمان إلى ما بعد الانتخابات التشريعية المقبلة، لتلافي أي انعكاسات على بيته الداخلي وكتلته الناخبة.
خطوة حزبية غريبة
وبعدما أحالت الحكومة مشروع القانون المثير للجدل بداية الشهر الجاري إلى البرلمان، لم يعلن حتى الآن عن موعد محدد لانطلاق المسار التشريعي لمناقشه مشروع القانون المذكور.
وفي المقابل، سارع الفريق النيابي للحزب، إلى توجيه طلب إلى رئيس مجلس النواب، من أجل تشكيل مهمة استطلاعية لمزارعي "الكيف" (المصطلح الذي يطلقه أهل المنطقة على القنب الهندي).
وتهدف هذه المهمة الاستطلاعية، وفق مصادر اعلامية محلية، إلى الوقوف على تأثير القنب الهندي على الصحة والبيئة والفرشة المائية.
وفي هذا السياق، استغرب شكيب الخياري، منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، من الخطوة التي أقدم عليها "فريق الحزب الإسلامي".
وقال الخياري، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية": "كيف يعقل أن يطلب نواب حزب العدالة والتنمية رأيا يتضمن جدوى تقنين زراعة القنب الهندي، وقد صادق رئيس الحكومة، الذي ينتمي لنفس الحزب، على مشروع قانون يؤكد على أنه أنجزت دراسات لجدوى التقنين".
وكان رئيس فريق العدالة والتنمية، مصطفى ابراهيمي قد كشف خلال كلمته في افتتاح الاجتماع الأسبوعي للفريق، الاثنين الماضي، أن نواب الحزب سيطلبون رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (مؤسسة دستورية ذات مهام استشارية) ورأي المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة دستورية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها)، بخصوص مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي.
يرى شكيب الخياري، منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للقنب الهندي، أنه "من حق فريق حزب العدالة والتنمية أن يسلك هذه الطرق، لكن يبدو أن هناك مشكلا وخللا لدى هذا الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي، عندما يطلب رأيا استشاريا من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وهو موجود أصلا".
وأوضح المتحدث نفسه، أن هذا المجلس "كان قد اعتبر في إحالة سابقة له أن القنب الهندي يعدّ من الثروات التي تزخر بها السلاسل الجبلية المغربية، وأكد أنه يجب أن يستغل القنب الهندي بشكل أمثل، وأن يكون موردا للدخل بالنسبة للسكان المحليين".
وتابع الناشط الحقوقي، أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان من جهته، "لا يمكنه سوى أن يؤيّد فكرة تقنين النبتة، باعتبار مشروع التقنين قدم إجابة حقوقية في هذا الإطار من خلال مساعدة المزارعين والخروج من حلقة الاتجار الدولي غير المشروع للمخدرات، ورفع حيف المتابعات عليهم".
مسوّغات أخلاقية وإيديولوجية
مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، تسبب في خلافات واسعة داخل الحزب الإسلامي، منذ أن أدرجته حكومة سعد الدين العثماني على جدول أعمال المجلس الحكومي في 25 فبراير الماضي.
ويُسجل عبد الحميد بنخطاب، أستاذ القانون والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن "موقف حزب العدالة والتنمية من تقنين زراعة القنب الهندي موقف أخلاقي تغلب عليه الايديولوجيا أكثر منه موقف علمي".
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن "الحزب يعتمد في رفضه لتقنين القنب الهندي على مسوّغات أخلاقية ودينية تتماشى مع مرجعيته السياسية".
من جانب آخر، فقد "كان حزب الأصالة والمعاصرة (ليبرالي/ معارض) سباقا للدعوة إلى تقنين القنب الهندي، وهو ما يدفع حزب العدالة والتنمية إلى مخالفة كل ما يقوم به خصمه السياسي"، حسب ما يقول عبد الحميد بنخطاب، أستاذ القانون والعلوم السياسية.
وأبرز بنخطاب، أن "المغرب سيربح كثيرا من خلال تقنين زراعة القنب الهندي في المناطق الشمالية، إذ ستكتسب هذه الجهة التي هُمّشت لعقود مكانتها العادية، وستساهم في انتاج الثروة الوطنية والرفاه الاقتصادي للوطن.
لكن موقف الحزب يظل في عمقه "موقفا سياسيا"، باعتباره حزبا "لا تهمه مصلحة جهة بعينها أو مصلحة الوطن، بقدر ما تهمه مسألة الربح والخسارة الآنية"، وفق ذات المصدر.
غير أن "معارضة الحزب لتقنين "الكيف"، ليس بسبب ما يوصف بالموقف الديني فقط، بل هناك مناهضة للتقنين من طرف بعض المزارعين الصغار"، حسب ما يؤكد محمد الغالي، الأكاديمي والمحلل السياسي.
وأوضح الغالي، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن العدالة والتنمية "يحاول أن يرضي طرفين؛ طرف من داخل الحزب يتشبث بالحجة الدينية في رفض التقنين، والثاني من خارج الحزب المتمثل في صغار المزارعين".
إلى جانب هذا، فالحزب الذي يقود الحكومة الحالية، "ونحن على بعد أشهر من الانتخابات، يحاول أن يغيّر صورة المواطنين والناخبين تجاهه، على أنه الحزب الذي استكان لعدد من الإصلاحات التي مُرّرت في مرحلة قيادته للحكومة".
وبحسب محمد الغالي، الأكاديمي والمحلل السياسي، يراهن حزب العدالة والتنمية أيضا على "كتلة ناخبين مهمة تعارض تقنين الكيف من وجهة نظر دينية".