قبل 13 سنة، خرج يوسف شقير إلى الشارع للاحتجاج على استمرار انقطاع التيار الكهربائي، لكنه قتل إلى جانب 6 من المتظاهرين برصاص قوات الأمن الحكومية في أحد شوارع بيروت.
ومنذ ذلك الحين ومعاناة اللبنانيين اليومية مستمرة في ظل عقود طويلة من الفساد المستشري والعجز في إنتاج الكهرباء.
اليوم يخشى كثيرون أن يدخل لبنان مرحلة من العتمة شبه الشاملة مع اقتراب فصل الصيف وازدياد ضغوط الاستهلاك على الشبكة الكهربائية في ظل شح احتياطي الوقود والعجز الكبير في ميزانية الدولة وعدم توفر خيارات مالية بديلة لتأمين الوقود، ما قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي كبير.
كان وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر حذر من انقطاع الكهرباء بعد نهاية مارس إن لم يُقرّ قانون يعطي مؤسسة كهرباء لبنان سلفة مالية، وذلك بعدما شارفت على الانتهاء من الاعتمادات المرصودة لها.
ويتبادل السياسيون الاتهامات بالمسؤولية عن استفحال أزمة الكهرباء، لكن منذ ثمانينيات القرن الماضي، تولت شخصيات من مختلف الأحزاب والقوى السياسية والطائفية وزارة الطاقة، ولم تنجح في وضع وتنفيذ خطة لحل مستدام. وقد وصلت الآن الخدمة الكهربائية في بعض المناطق إلى معدل ساعتين يوميا فقط.
تستذكر أسمهان شقيقة يوسف شقير كيف خرج يوسف وكان يبلغ من العمر 18 سنة و58 يوما، للتظاهر في 27 يناير 2008 في مار مخايل، إحدى مناطق خطوط التماس خلال الحرب الأهلية اللبنانية التي قسمت بيروت إلى محاور عسكرية.
ولم يكن يفترض أن تكون التظاهرة أكثر من محاولة للاحتجاج على الانقطاع الدائم للتيار الكهربائي عن أحياء سكنية في بيروت، عندما انهمر رصاص جنود الجيش اللبناني على المجموعة الصغيرة من المتظاهرين، كما تؤكد أسمهان. وقتل سبعة شبان كانوا بين المتظاهرين بينهم يوسف ومسعفان طبيان.
وتقول أسمهان إنه منذ مقتل يوسف "وضع الكهرباء من سيء إلى أسوأ. كنا ندفع ما يقارب 200 ألف ليرة لفاتورتي كهرباء الدولة وخدمة الاشتراك بالمولد الكهربائي (أي ما يعادل 135 دولار وقتها)، أما اليوم فأصبحنا مضطرين إلى تخصيص جزء كبير من رواتبنا بالليرة لتأمين الكهرباء في البيوت" بعد انهيار قيمة الليرة اللبنانية.
وفي السياق، قال الباحث في الإحصاء الاقتصادي عباس الطفيلي، إن "كارتيلات المولدات الكهربائية مرتبطة بالطبقة السياسية نفسها التي لم تفشل فقط في توفير الكهرباء للمواطنين عبر الدولة، وإنما تواطأت ضمنيا مع أصحاب المولدات الكهربائية" لتقاسم الأرباح معهم والمقدرة سنويا بنحو 1.5 مليار دولار.
كما قال الطفيلي إنه "منذ العام 1993، ما زالت الحكومات تدعم سعر الكهرباء وتبيعه إلى المواطن على أساس أن سعر برميل النفط 25 دولارا. وهذا بالتالي كبد الدولة خسائر تصل إلى ما بين 10 و11 مليار دولار تقريبا، وهذا الدعم وظفته أحزاب السلطة" فيما سماه نظام "الزبائنية الحزبية".
وأضاف الطفيلي أن "أزمة الكهرباء بحاجة إلى قرار سياسي شجاع لإنهائها، إذ إن حاجة لبنان من الكهرباء هي 3500 إلى 3800 ميغاوات سنويا، ومن غير المعقول أن ينفق بلد أكثر من 50 مليار دولار على الكهرباء (40 مليار لتسديد العجز، وحوالى 12 مليار دولار لاستيراد مادة الفيول) خلال العقود الثلاثة الماضية وهو إلى الآن مهدد بالعتمة".
ومن جهته، قال الصحفي المختص بالشؤون الاقتصادية عصام شلهوب، إن مؤسسة كهرباء لبنان خسرت نحو 1.3 مليار دولار خلال 8 سنوات كنفقات تشغيلية لبواخر الطاقة التركية التي تزود لبنان بالكهرباء من قبالة السواحل اللبنانية، وهذا المبلغ كان يمكن أن يستثمر لإنتاج 1300 ميغاوات لو استخدم لبناء محطات دائمة لتوليد الطاقة.
والآن يقول مسؤولون إن أسبابا عديدة أوقفت استجلاب الكهرباء من سوريا منذ العام 2018، وهو توقف عززه "قانون قيصر" الأميركي الذي يفرض عقوبات على دمشق ومن يتعاون معها اقتصاديا.
وقبل أيام، تأجلت زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إلى العراق والتي كان يفترض أن يتفق خلالها على تزويد لبنان بمشتقات نفطية لتشغيل معامل توليد الكهرباء.
وقال شلهوب إن لبنان عاد مؤخرا إلى سياسة "الترقيع" عبر تمديد مهل الظلمة الشاملة من خلال استعمال احتياطي المصرف المركزي المتهالك أي استهلاك أموال المودعين التي ما زالت بالعملة الأجنبية.
وكثيرا ما خرجت تظاهرات عفوية في مناطق لبنان المختلفة احتجاجا على سوء الخدمة الكهربائية، كتلك التي قتل فيها يوسف شقير.
وقالت شقيقته أسمهان إن ما يحزنها هو أن دمه ودماء كثيرين مثله من ضحايا الحرب الأهلية وصولا إلى انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020، باتت "تبدو بلا قيمة بالنسبة إلى قادة الطبقة السياسية".