قبل شهر من الآن، وتحديداً في الخامس عشر من شهر مارس 2021، أدت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا برئاسة عبد الحميد دبيبة، اليمين الدستورية أمام مجلس النواب، بحضور ممثلين دوليين، لتبدأ مهمتها الاستثنائية، التي تفرض عليها إنجاز عدة مهام رئيسية خلال 9 أشهر فقط، لتهيئة المشهد الليبي لإجراء الانتخابات بنهاية العام الجاري.
وعلى رغم أن فترة شهر ليست كافية لتقييم أداء الحكومة، وبشكل خاص أنه حتى اللحظة لم يتم اعتماد الموازنة من قبل البرلمان، إلا أن ثمة عديداً من المؤشرات التي تعطي انطباعات عن أداء حكومة الوحدة الوطنية، لا سيما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، في إطار المضي قدماً بمساعي تنفيذ استحقاقات المرحلة.
على الصعيد السياسي، تمكنت الحكومة من الانفتاح على عديد من الدول المهمة والمؤثرة، والاحتفاظ بعلاقات إقليمية ودولية خاصة، وقد عبّرت عن ذلك سلسلة الزيارات الخارجية التي قام بها رئيس الحكومة، فضلاً عن الزيارات التي استقبلتها ليبيا من أطراف إقليمية ودولية، ما عكس نذر "عودة ليبيا" من جديد في ظل التقدم الحادث في المسار السياسي لإنهاء الأزمة الداخلية الممتدة منذ عام 2011.
وداخلياً مهّدت الحكومة الطريقة لإجراء المصالحة، وهو من ضمن الملفات الأكثر أهمية ضمن استحقاقات المرحلة الحالية. وقد تم في هذا الإطار تشكيل مفوضية عليا للمصالحة، فضلاً عن القرارات الاقتصادية والتحركات التي تسعى الحكومة من خلالها لمعالجة الظروف المعيشية الصعبة والتحديات الداخلية.
ظروف إيجابية
جاءت حكومة الوحدة الوطنية "في ظل ظروف سياسية إيجابية، الهدف منها تكريس الاستقرار وتوحيد مؤسسات الدولة، ولقد تم إلغاء الأجسام الموازية، ويحسب هذا النجاح للحكومة بعد نيلها ثقة مجلس النواب"، وفق ما يؤكده في تصريحات خاصة لموقع "سكاي نيوز عربية" السياسي الليبي أحمد الصويعي.
ويقول الصويعي إن "الحكومة تتحرك بخطوات ثابتة نحو الأهداف التي رسمتها في برنامجها الذي اختيرت من أجل تنفيذه، فهي دينامكية تعمل على ملفات محلية وإقليمية ودولية بشكل متوازي، وتسعى لتكريس حالة الاستقرار؛ من أجل تحقيق الالتزامات التي تقع على عاتقها رغم التحديات التي تواجه أداءها ومحاولات البرلمان وضع العصا في الترس وتعطيل عملها من خلال عدم اعتماد الميزانية إلى اليوم بحجة أن مشروع قانون الميزانية لم يراع القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني، حيث تم رصد مبلغ 100 مليار دينار لسنة دون خطط وبرامج معدة مسبقًا".
ويعتقد بأن "هذه الحجة مجافية للواقع؛ لأن حكومة الوحدة الوطنية قامت بعرض برنامجها أمام بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وبحضور الأطراف الليبية".
ويردف السياسي الليبي قائلاً: "ولقد رأينا مؤخراً على صعيد السياسة الخارجية أن الحكومة تتبنى تغيير المعادلات السابقة من حالة العداء إلى الصداقة والأخوة، إذ قام رئيس الحكومة بزيارة لمصر والكويت و الإمارات وتركيا (..)".
وعلى الصعيد الاقتصادي يقول الصويعي: "يلاحظ المراقبون جهود وزارة الدولة للشؤون الاقتصادية التي تسعى لعمل خطط وبرامج عمل لتحسين خدمات الحكومة في الجانب الاقتصادي من خلال اتباع الأساليب العلمية في صنع القرار".
مشوار طويل
ويختتم تقييمه لأداء الحكومة في الشهر الأول بقوله: "إن المشوار لا يزال في بدايته ويصعب تقييم أداء الحكومة في ظرف شهر من توليها مهامها وإطلاق أحكام مطلقة عليها، لكننا نُحفزها من أجل تحسين مستوى معيشة المواطن الليبي والوفاء بالاستحقاقات الكبرى في موعدها".
وكان القرار الأول لحكومة دبيبة (رقم 1 لسنة 2021) قد نص على إيقاف الحسابات الخاصة في الشركات العامة والصناديق الاستثمارية، وهو القرار الذي وصفه محللون آنذاك بأنه يعكس تركيز الحكومة على الملف الاقتصادي ومعالجة الاختلالات التي يشهدها، في ظل الفساد الذي عانى منه البلد على مدار السنوات الماضية.
ولا يزال أمام الحكومة "مشوار طويل" تحدوه جملة من العقبات والتحديات في إطار تنفيذ الاستحقاقات المطلوبة، لا سيما في ظل الإرث الصعب الذي ورثته من فترة الصراع، فضلاً عن قصر مدة عملها حتى نهاية العام الجاري. ومن بين أبرز التحديات القائمة مسألة الميليشيات والسلاح والمقاتلين الأجانب.
استحقاقات المرحلة
وبدوره، يلفت المحلل السياسي الليبي إبراهيم بلقاسم، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "تقييم الحكومة يتم بناءً على قدرتها على الاستيفاء باستحقاقات المرحلة الحالية"، موضحاً أن "الحكومة نجحت حتى الآن في وضع إطار عام أو خطة مشروع يمتلك رؤى ومسارات مختلفة". لكنه بموازاة ذلك يعتقد بأنها حكومة بلا أدوات بسبب عدم إقرار الموازنة من قبل البرلمان حتى الآن.
ويشير بلقاسم إلى أن "الحكومة الحالية تعمل بشكل مختلف عن الحكومات السابقة.. والمسار واضح بناءً على الخطة التي وضعتها في إطار أولوياتها في المرحلة الحالية ومهمتها الرئيسية، التي تعمل الحكومة كخلية نحل من أجل إنجازها في الشهور المتبقية"، لكنه يعتقد بأن "الحكومة عملياً لم تبدأ عملها الحقيقي؛ على اعتبار أنه لم تتم الموافقة على الموازنة بعد وبالتالي فهي غير قادرة على الأداء لتحقيق تلك المستهدفات والخطط".
ويعتقد بأن "الحكومة الآن غير مسؤولة عن تعطيل المسار أو تعطيل المل بخريطة الطريق والتوجه نحو إجراء الانتخابات، والمسؤولية تقع على عاتق البرلمان.. إذ كيف ستعمل الحكومة بدون مورد أساسي تعمل من خلاله؟".
حققت الحكومة نجاحات لافتة على الصعيد السياسي، والعلاقات الليبية بالعالم، يحددها المحلل السياسي بداية في عملية الانفتاح على الخليج، والزيارات التي تمت، وكذلك التواصل مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا، موضحاً أن الحكومة استطاعت فتح صفحة جديدة في العلاقات الخارجية على الصعيد السياسي، فضلاً عن العلاقات مع دول الجوار، والتي عبرت عنها الزيارات المتبادلة.
ويقول إن الحكومة وعلى رغم أنها فعلياً لم تبدأ العمل إلا أنها وضعت القطار على القضبان وتنتظر الانطلاق، مشيراً في الوقت نفسه إلى الدور الاقتصادي الذي بدأ المواطن يستشعر به على مستوى التحسن في الخدمات والأحوال المعيشية نسبياً، على رغم استمرار عديد من الأزمات، لكن قرارات الحكومة على الصعيد الاقتصادي تستهدف معالجة تلك المشكلات كأولوية ضمن أولويات عملها في المرحلة الراهنة.