توقع خبراء أن تبدأ إيران نشاطا محموما خلال الفترة المقبلة في العراق، لمحاصرة نتائج الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي الذي انعقد بين العراق والولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، وخاصة تنويع العلاقات العراقية مع بلاد العالم، وما يحمله من تهديد للنفوذ الإيراني.
وتعد الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي الأولى في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، وانتهت إلى الاتفاق على إنهاء وجود القوات العسكرية الأميركية بتحويل المتبقي منها على الأراضي العراقية إلى مهام التدريب، وتنويع العلاقات بين العراق ودول العالم في كافة المجالات، وخاصة الأمن والطاقة والاستثمار الأجنبي والتعليم والآثار، وهي صلب الملفات التي سيطرت عليها طهران في هذا البلد لسنوات طويلة.
ووصف رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، مخرجات الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي في تغريدة له على حسابه الرسمي في موقع "تويتر" بأنها "بوابة لاستعادة الوضع الطبيعي في العراق".
وفي كلمة ذات مغزى أضاف: "الحوار هو الطريق السليم لحل الأزمات، شعبنا يستحق أن يعيش السلم والأمن والازدهار، لا الصراعات والحروب والسلاح المنفلت والمغامرات"، في إشارة إلى فوضى الميليشيات والحرب البديلة التي تنفذها على أرض العراق نيابة عن دول أخرى، وعلى رأسها إيران.
ومن جانبه غرد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على "تويتر" قائلا: "متفائل بشأن الطريق إلى الأمام بعد مراجعة التقدم الذي أحرزناه في كل مجال من مجالات شراكتنا الواسعة والاستراتيجية".
انفلات من يد إيران
وعن تأثيرات هذه الجولة على التدخلات الإيرانية في العراق، قال الباحث السياسي العراقي محمد الجبوري لموقع "سكاي نيوز عربية" إن الجولة تشير لديمومة العلاقة الاستراتيجية بين البلدين في ظل هذا الظرف المعقد الذي يمر به العراق والمنطقة نتيجة الهيمنة الإقليمية الإيرانية على دول ما يسمى بمحور "الممانعة"، في إشارة إلى سوريا ولبنان، إضافة للعراق.
وأضاف الجبوري": "مكاسب الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن، تتلخص في تعميق الشراكة بين العراق وأميركا في مجال الاقتصاد والأمن والطاقة والتسليح، فضلا عن حاجة العراق إلى دعم دولي كبيرة للخلاص من أزمته الاقتصادية الخانقة".
وتابع قائلا: "الحوار الاستراتيجي يساعد حكومة الكاظمي التي تحاول إيران إفشالها عبر دولتها العميقة المتمثلة في التنظيمات الولائية، على مواجهة التحديات السياسية والأمنية، ومواصلة تحقيق الانجازات المطلوبة منها من قبل الشارع المحلي الناقم على النظام السياسي، والمستمر في احتجاجاته، منذ أكتوبر 2019".
انفتاح على العالم
ومن بين نتائج الجولة الثالثة، بحسب الجبوري "تقليص دور القوات الأميركية من القتال إلى المشورة والتدريب، دون تحديد جدول زمني للانسحاب الكامل، وفتح جسور الدبلوماسية الدولية مع العالم العربي والغربي، خصوصا أن العراق شهد انفتاحا دوليا هائلا كان أبرزها زيارة بابا الفاتيكان، ومن ثم الزيارات الرسمية العراقية لدول المنطقة والعمل على عقد شراكة استراتيجية معها، ولاسيما الأردن ومصر والإمارات والسعودية".
وتبدو انعكاسات هذه السياسة العراقية الجديدة بحسب الجبوري في محاولة "تحييد العراق عن إيران، وتفكيك الارتباط العضوي المباشر والمهيمن على سيادتها، ومن ثم، استعادة الدولة من حالة الانفلات وسيطرة الميلشيات"
ورغم أن البيان المشترك الصادر عن الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي لم يحدد موعدا للانسحاب الأميركي العسكري من العراق، إلا أن المتحدث باسم مجلس الوزراء حسن ناظم، كشف قبل يومين، عن وجود دراسة وضعت جدولا لانسحاب القوات الأجنبية من العراق.
وفي حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، قال توم حرب، مدير التحالف الأميركية الشرق أوسطي للديمقراطية، إن "استئناف الحوار الاستراتيجي الأميركي مع العراق، يدخل ضمن تحركات بايدن الخارجية، ومن بينها إدارة الأزمة مع إيران استعادة الحوار معها، وإحياء الاتفاق النووي، إذ إن هناك ضغوط تتعرض لها إدارته بخصوص تخفيف القبضة الأمريكية على طهران".
ومن بين نتائج تلك الضغوط، بحسب حرب "تقديم تنازلات للعودة للاتفاق النووي الإيراني، وانسحاب قواتها العسكرية من إحدى المناطق التي تتمتع فيها إيران بنفوذ كبير، سياسي وميداني"، لافتا إلى أن "هناك ضغوطات محلية في العراق من قبل مجموعات سياسية ترفض الانسحاب المباغت أو الشامل، حتى لا تقع البلاد تحت وطأة ما جرى في عام 2014، واحتمالية سيطرة تنظيم داعش على مناطق ومساحات جغرافية من جديد".
الزيارة السرية
وشكلت الزيارة السرية التي قام بها إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس للعراق، الأسبوع الماضي، مؤشرا جديدا على الانزعاج الإيراني من مسار الحوار الاستراتيجي العراقي- العراقي.
وتعليقا على هذه الزيارة، قال مدير التحالف الأميركي الشرق أوسطي للديمقراطية إن زيارة قائد فيلق القدس، التي تزامنت مع بدء الحوار الاستراتيجي، هي "بدون شك لتوحيد جهود الميلشيات التي تسيطر عليها إيران، وإيجاد موقف سياسي موحد أمام مخرجات الحوار".
وبيّن حرب أن "الحشد الشعبي بالعراق والمدعوم من الحرس الثوري الإيراني يمارس تأثيرات جمة على المنظومة الأمنية والعسكرية الدفاعية في العراق، كما أنها ستلعب تأثيرات سلبية على تحركات رئيس الحكومة العراقية والذي يهدف إلى تنويع شراكاته الإقليمية والخارجية مع محيطه الإقليمي العربي والخليجي".
وتعد هذه الزيارة الثالثة على الأقل لإسماعيل قاآني إلى العراق، حيث كانت السابقة في نهاية نوفمبر الماضي، وأكدها سفير إيران في بغداد، إيرج مسجدي، الذي وصف قائد الفيلق بأنه بعد مقتل سليماني أصبح ممثل إيران للتفاوض مع المسؤولين العراقيين، وفق ما نقله موقع "إيران إنترناشونال" ديسمبر الماضي.