كان عناصر تنظيم الإخوان يتخذون من شهر رمضان منصة لتكثيف نشاطات، يقولون إنها خيرية وذات نفع على المجتمع، لكن تلك لم تكن سوى أقنعة لتجنيد مزيد من العناصر.
وبرز ذلك كثيرا في مصر، إلى أن تمكنت السلطات في عام 2013، بعد سقوط نظام الإخوان، من التصدي لهذه الأنشطة الخبيثة.
ويعتمد التنظيم بالأساس على الشعارات الدينية كأداة ترويجية لأفكارها وجذب الأعضاء إليها، فإن شهر رمضان كان يمثل فرصتها الذهبية لتحقيق ذلك.
أكبر عمليات التجنيد
ووفق اعترافات قيادات التنظيم، المنشور معظمها بالموقع الرسمي "التوثيقي" للإخوان، فإن "شهر رمضان شهد أكبر عمليات التجنيد داخل الجماعة"، خاصة في المناطق التي كانت المساجد الصغيرة والزوايا تقع تحت سيطرتهم بشكل شبه كامل.
ومنذ عام 2014 وبالتزامن مع الاستراتجية الشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف، شرعت مصر في إجراءات صارمة من خلال وزارة الأوقاف والجهات المختصة لاستعادة كافة المساجد التي سيطر عليها الإخوان واستغلوها لنشر الفكر المتطرف وتجنيد الأعضاء، خاصة خلال أيام الاعتكاف في العشر الأواخر من الشهر الكريم.
ويقول الباحث المصري المختص في الإسلام السياسي، عماد عبد الحافظ، إن نشاط الإخوان في السابق كان ينقسم إلى نوعين من الأنشطة.
الأول هو النشاط العام، والثاني هو النشاط الخاص، ويقصد بالنشاط العام مجموعة من الأنشطة المختلفة التي تستهدف عموم الأفراد في المجتمع، وتتم من خلال بعض المؤسسات العامة أو الخاصة، مثل الدروس الدينية واللقاءات الرياضية والرحلات والأنشطة الخيرية والخدمية.
أما النشاط الخاص فهو الذي يستهدف أفراد معينين يتم انتقاؤهم بعناية من خلال الأنشطة العامة.
ويوضح في تصريح لموقع "سكاي نيوز عربية" أنه ينبغي أن نفهم فلسفة التنظيم وأهدافه في كلا النوعين من الأنشطة، فالتنظيم يعتمد على بناء قوي يستطيع من خلاله تحقيق أهدافه.
وهذه القوة تعود لوجود عدد ليس بقليل من الأنصار، تقوم الجماعة بإعدادهم وتربيتهم بشكل معين، وترسخ بداخلهم قناعات مشتركة من خلال العديد من الوسائل والمناهج، بحيث مع الوقت تذوب العديد من الفروق الفردية بينهم، وتنشأ شخصية جماعية لها سمات واحدة، وفق الباحث.
ويضيف "يلتئم هذا العدد الكبير من الأفراد في جسدٍ ضخم له عقل محدود، تتحكم في حركته وتوجيهه مجموعة صغيرة من القيادات لها عليهم حق السمع والطاعة والثقة المطلقة".
منهجية الاستقطاب الإخواني
ويشير عبد الحافظ إلى أن الجماعة تسعى إلى الانتشار في المجتمع من خلال العديد من الأنشطة العامة التي تبدو في ظاهرها أنها تستهدف جوانب إصلاحية وخدمية في المجتمع، إلا أنها تهدف بشكل أساسي إلى استقطاب عدد من الأفراد للانضمام إليها، فتلك الأنشطة العامة هي وسيلة، بينما الاستقطاب وضم الأفراد يعد هو هدف الجماعة الرئيسي.
رمضان موسما مهما
ويؤكد الباحث المنشق عن التنظيم أن شهر رمضان كان في الماضي قبل سقوطها موسما مهما وثريا للاستقطاب وضم أفراد جدد.
ويوضح أن لجان الإخوان مثل تلك المتصلة بالجامعات تعقد اجتماعات على كل المستويات الإدارية قبل بداية الشهر، تقوم من خلالها بوضع خطة للعمل خلاله، وكانت تعمل على زيادة أنشطتها خلال الشهر، وتضع مستهدفا عدديا للأفراد الذين تسعى لضمهم بعد انتهاء الشهر.
ومن أمثلة هذه الأنشطة الدروس الدينية وحلقات التلاوة في المساجد واعتكاف العشر الأواخر، وتوزيع المساعدات على الفقراء، واللقاءات الرياضية والرحلات الترفيهية في العيد.
وكان بالفعل يتم بعد انتهاء شهر رمضان ضم العديد من الأفراد ليلتحقوا بالمرحلة التمهيدية في الجماعة بصورة تفوق أي وقت آخر طوال العام.
ويتابع عبد الحافظ:"لكن هذا الوضع تغير اليوم بالطبع بشكل كبير نتيجة قدرة الدولة على احتواء نشاط الجماعة وتحجميه، فلم تعد قادرة على ممارسة أنشطتها العامة، ولا أنشطتها الخاصة إلا في إطار محدود".
ومع ذلك، يقول الباحث المصري إن عناصر التنظيم يسعون داخل دوائرهم الاجتماعية إلى الإبقاء على خيط موصول بينهم وبين بعض الأشخاص، وهم وإن كانوا لا يستطيعون القيام بمهمة الاستقطاب وضم أفراد جدد إلى التنظيم، إلا إنهم من خلال هذه العلاقة يستطيعون ممارسة تأثيرهم على بعض الأشخاص بحيث يجعلونهم يتبنون رواية الجماعة ورؤيتها ومواقفها.
المساجد برعاية الأوقاف
من جانبه، أكد رئيس القطاع الديني بوزارة الأوقاف جابر طايع أن الجهود التي بذلتها مؤسسات الدولة المصرية قد نجحت في كف أيدي الإخوان عن المنابر وكذلك في منع سيطرتها وانتشارها باستغلال المساجد والزوايا، بعد أن تمكنت الوزارة من استردادها وقصر الخطابة على علماء الدين من الأزهر والأوقاف.
وقال طايع لموقع "لسكاي نيوز عربية"، إن الجماعة حاولت استغلال المؤسسات الدينية لنشر أفكارها المتطرفة خاصة خلال فترة حكمهم للبلاد عام 2012، لكن الوعي المصري أجهض هذه المحاولات.
وقال إن التنظيم يتستر خلف الشعارات الدينية ولكنها تمارس أعمال إرهابية بعيدة عن كل العقائد والشرائع، تصب في صالح أجندتها وتعمل على تحقيق أهدافها.
وأكد أن وزارة الأوقاف المصرية نجحت في استعادة المساجد التي كان التنظيم يستغلها في نشر أفكاره، وحرصت على اختيار الائمة من العلماء الأكاديميين بعيدا عن رجال الفكر المتطرف.