اتهم والي غرب دارفور عبد الله الدومة الأجهزة الأمنية بعدم القيام بدورها لوقف نزيف الدم الذي تشهده مدينة الجنينة منذ 5 أيام، وقال إن إنسان دارفور ترك وحيدا لمواجهة مصيره، مشيرا إلى انهم طلبوا قوات إضافية لكنها لم تصل إلى الولاية حتى الآن.
وتزامنت تصريحات الدومة مع بيانات تظهر ارتفاع عدد ضحايا الأحداث الدموية المستمرة في الولاية إلى أكثر من 400 بين قتيل وجريح، إضافة إلى تشريد عشرات الآلاف من مناطق سكنهم.
واوضحت لجنة أطباء الولاية في أحدث إحصاءات صادرة عنها ارتفاع عدد القتلى في مدينة الجنينة إلى 125 قتيلا والجرحى إلى 208 جريحا، إضافة إلى سقوط نحو 67 قتيلا وجريحا في منطقة السريف حتى الأربعاء.
وأشارت اللجنة إلى ان هذه الإحصائيات تشمل فقط الحالات التي استطاعت الأطقم الطبية الوصول إليها أو وصلت إلى المستشفيات، مما يعني احتمالية وجود أعداد أخرى من الضحايا لم يشملها الحصر.
دائرة الاتهام تتسع
واتسعت دائرة الاتهامات حول الجهة المسؤولة عن هذه الأحداث التي يخشى كثيرون أن تكون مؤشرا لعودة إقليم دارفور إلى مربع الحرب الأول.
وألقى الدومة باللوم الأكبر في تلك الاحداث على ما أسماها بمليشيات عابرة للحدود، لكنه أشار صراحة إلى تقاعس الأجهزة الأمنية عن أداء دورها مما أدى إلى تفاقم الكارثة.
وقال الدومة إنه لا يوجد تنسيق بين الوالي والأجهزة الأمنية، مشيرا إلى هوة كبيرة بين سلطات الولاية ووزير الداخلية، مؤكدا أنه يفشل في أحيان كثيرة في الاتصال به. واضاف "لا يوجد تنسيق أمني وفي أحيان كثيرة لا يتم مدنا بكافة المعلومات عن الحوادث التي تحدث في ولايتنا".
الجميع مسؤولون
ولم بستثنى الهادي عجب الدور رئيس المعهد الدولي للسلام ببروكسل والقيادي بالجبهة الثورية الموقعة على اتفاق السلام مع الحكومة السودانية في اكتوبر الماضي، اي جهة من المسؤولية، مشيرا إلى أن حياة المواطن يجب أن تشكل أولوية قصوى في هذه الظروف.
وعزا عجب الدور الكارثة إلى الهشاشة الأمنية الكبيرة في منطقة دارفور، وغياب هيبة الدولة وعدم تفعيل دور جهات إنفاذ القانون.
وقال عجب الدور لموقع "سكاي نيوز عربية" إنه يجب الإسراع في تشكيل القوة المشتركة المنصوص عليها في اتفاق السلام وضمان حماية المدنيين، معتبرا أن تأخير تطبيق الترتيبات الأمنية واحدا من الأسباب الرئيسية للازمة.
وفي السياق، يقول أشرف عبد العزيز رئيس تحرير جريدة الجريدة إن ما حدث في الجنينة يفتقر لأي منطق سياسي أو عسكري أو حتى قبلي، لأنه ضرب بجميع الأعراف القبلية المحلية عرض الحائط، وأصبح السلاح هو الحاسم.
واضاف أن الأزمة تحولت إلى صراع قبلي ذا طابع سياسي، محذرا من إنه إذا لم تدرك أطراف العملية السلمية أن تأخر انفاذ مصفوفة الاتفاقية يعني السماح بتواصل المسلسل الدامي ستفوت عليها الفرصة وتتواصل الصراعات دون التوصل إلى حل بشأنها.
ويرى عبد العزيز أن توزيع الاتهامات لن يجدي ولن يؤسس إلى حل. ويوضح "الذين لديهم الامكانيات والآليات العسكرية معروفون وإذا كان هناك من يساندهم ويجد الحدود مفتوحة ويفعل هذه الأفعال الشنيعة، ويرجع الى دياره آمناً فهذه الثغرة مسؤول عنها المكون العسكري والأجهزة الأمنية، فلماذا لم يتم التعامل مع هذه المليشيات المعتدية قبل أن تلدغ الجنينة من ذات الجحر أكثر من مرة".
مخاطر عديدة
ومن المتوقع أن يرتفع عدد القتلى بشكل أكبر في ظل الأوضاع الأمنية السيئة التي تعيشها المنطقة حيث تقول لجنة الاطباء إن فرق الإنقاذ والإمداد لا تستطيع الوصول إلى الضحايا والمخازن نسبة للصعوبات الأمنية حيث تتعرض سيارات الإمداد والاسعاف إلى حوادث إطلاق نار متكررة أثناء محاولتها الوصول إلى المصابين والمخازن.
وقد نفدت بالفعل الكثير من أصناف الأدوية والمستهلكات الأخرى، وفقا للجنة. كما أن اعداد العاملين قليلة جداً وتعمل لساعات طويلة دون راحة مسنودة بفرق من متطوعي الهلال الأحمر السوداني في ظل عدم قدرة الكثير من العاملين على الوصول إلى المرافق الصحية، فضلاً عن انقطاع التيار الكهربائي والإمداد المائي عن المدينة بما في ذلك المستشفيات.
بؤر توتر
على الرغم من توقيع اتفاق السلام في أكتوبر، إلا أنه لا تزال هنالك العديد من بؤر التوتر في المناطق المحيطة بجبل مرة ومعسكرات النازحين.
وتتزايد المخاوف من أن تؤدي الهشاشة الأمنية المتزايدة واستمرار الصراعات القبلية إلى إعادة الأوضاع في إقليم دارفور إلى ما كانت عليه خلال السنوات الماضية.
وفي الواقع سقط أكثر من ألف قتيل وجريح في عدد من مناطق دارفور في أحداث دامية جرت عقب توقيع اتفاق السلام مما يشير إلى هشاشة الأوضاع وخطورة وجود عدد كبير من الحركات الرئيسية مثل حركة عبد الواحد محمد نور والمتشظية الأخرى التي يقدر عددها بأكثر من 80 حركة خارج الاتفاق.
وظل إقليم دارفور يشهد منذ العام 2003 واحدة من أعنف الحروب الأهلية في العالم والتي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف قتيل، وأجبر بسببها نحو 4 ملايين شخص على النزوح إلى معسكرات جماعية بحثا عن الأمان.