شهدت الأيام القليلة الماضية، وتحديدا بعد تنصيب الرئيس الأميركي جو بايدن مطلع العام الجاري، تحركات كثيفة من جانب قيادات جماعة الإخوان المتواجدين في الولايات المتحدة، لفتح قنوات جديدة للتواصل والتعاون مع الإدارة الأميركية الجديدة، بهدف كسب تأييدها للضغط على مصر لعودة التنظيم إلى المشهد السياسي، في ظل دعوات متكررة من الجماعة للتصالح مع الدولة المصرية.
ووفق مصادر قريبة من جماعة الإخوان مقيمة في واشنطن، يتولى القيادي محمد سلطان، الذي تنازل عن الجنسية المصرية قبل سنوات لكنه حاصل على الجنسية الأميركية، بشكل أساسي ملف التنسيق بين التنظيم الدولي وعدد من المؤسسات الأميركية، منها الحزب الديمقراطي، ومؤسسات أخرى نشطة في مجال حقوق الإنسان والدعاية السياسية.
إعادة التموضع بشكل قانوني
وأوضحت المصادر لـ"سكاي نيوز عربية" أن الجماعة في أميركا تسعى إلى إعادة ترتيب أوراقها والتموضع بشكل قانوني، مشيرة إلى أن سلطان دشن مؤخرا مبادرة الحرية ومنظمة (المصريون الأميركيون من أجل الحرية والعدالة)، ومقرها واشنطن وذلك لإيجاد إطار مؤسسي وقانوني للتواصل مع دوائر صنع القرار الأميركية بعيداً عن غطاء التنظيم الدولي للجماعة.
وقالت المصادر إن سلطان تواصل مع عدد من العناصر المصرية المقيمين بالخارج من المتحالفين مع التنظيم والداعمين له، مثل أيمن نور ومحمد البرادعي، للتنسيق حول إعداد ما يسمى بـ"وثيقة اتحاد القوى الوطنية المصرية"، لتقديمها للكونغرس الأميركي باعتبارها ملاحظات من جانب المعارضة المصرية وليس تنظيم الإخوان فقط.
ووفق دراسة لمعهد واشنطن أعدها الباحث الأميركي ستيفت ميرلي، تنشط جماعة الإخوان في أميركا من خلال 6 مؤسسات تقليدية تعمل منذ عشرات السنوات، وهي الوقف الإسلامي، والجمعية الإسلامية، والمعهد العالمي للفكر الإسلامي ومجلس العلاقات الإسلامية الأميركية والجمعية الإسلامية الأميركية والمجمع الفقهي.
تقرير مسموم عن حقوق الإنسان
وكشف الباحث المصري المختص في شؤون الحركات المتطرفة والإرهاب الدولي منير أديب أن الجماعة تعمل في الوقت الحالي على إعداد تقرير عن مصر يركز على أوضاع حقوق الإنسان والحريات ومناخ العمل السياسي وكذلك أوضاع الأقليات، وسيتم تقديمه ومناقشته من خلال النواب الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي، بهدف التوصل لمجموعة من التوصيات تلزم البيت الأبيض بقرارات للضغط على الإدارة السياسية المصرية في عدة ملفات.
وأوضح أديب في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أن العلاقة بين جماعة الإخوان والإدارة الأميركية الجديدة "قوية" بل أن الإدارات الديمقراطية السابقة قد نجحت في استغلال الجماعة لتطويع أجندتها في المنطقة، كما استخدمت الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش من قبل.
ويقول أديب إن قنوات الاتصال بينهما مفتوحة وقوية من خلال الاعتماد على مراكز العنف والتمرد والإرهاب، مشيرًا إلى الدور الهام والقوي الذي تلعبه المنظمات الحقوقية الدولية في هندسة عملية التعاون بين الطرفين، بهدف الضغط على النظام في مصر خاصة في ظل تنامي الدور الدولي والإقليمي للقاهرة وعودة تأثيرها في محيطها العربي.
ويشير الباحث المصري إلى أن التواصل يتم من خلال مجموعة من قيادات التنظيم الدولي المتواجدين في أوروبا وأميركا، أبرزهم إبراهيم منير المرشد العام للتنظيم ومحمد سلطان نجل القيادي عصام سلطان المقيم في واشنطن منذ خروجه من مصر قبل 5 سنوات.
أداة الإخوان لاختراق المؤسسات الأميركية
من جانبه يقول الكاتب السياسي المصري رامي شفيق إن الجماعة بدأت بالتواصل المكثف مع الإدارة الجديدة، وإن كانت صلتها لم تنقطع بالسابقة، لكنها كانت خافتة وقليلة إلى حد كبير.
ويوضح شفيق في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية" أنه مع اللحظات الأولى التي تيقن فيها الإخوان أن الإدارة الأميركية ستكون مؤيدة لها، شرعت الجماعة بالتواصل المكثف عبر جماعات الرأي وشركات الدعاية الأميركية التي مررت تقارير خاصة عن الشرق الأوسط والسياسيات الداخلية لعدة دول، لإنشاء مساحات خاصة لعمل الإخوان تمكنهم من التنفس والعودة للمشهد السياسي.
كيف تقابل مصر هذه التحركات؟
وأوضح شفيق أن الجماعة كانت ترغب في تلقي مزيد من الدعم من جانب الإدارة الجديدة، لكن الأمور لم تكن كما توقعها الإخوان بسبب حالة السيولة في الشرق الأوسط وأولويات الولايات المتحدة في المنطقة لا يتعلق بها ملف الإخوان بشكل كبير ويتقدمها ملف تقاطع المصالح (الروسية- الصينية) مع المصالح الأميركية في المنطقة.
ويرى شفيق أن جماعة الإخوان في حاجة ماسة للدعم الأميركي في تلك الفترة، خاصة بعد السيناريوهات المتاحة أمام الجماعة، وكلها سيئة، في ظل التقارب المصري التركي والذي يجعل المسارات أمام التنظيم محدودة وشبه مغلقة، مشيرا إلى أن أنقرة لديها خياران فيما يتعلق بقيادات التنظيم في المستقبل، فإما أن تسلم المطلوبين لجهات القضاء المصري لبلادهم أو السماح لبعضهم بمغادرة البلاد لوجهات أخرى متوقع أن تكون أوروبا وشرق آسيا.
ويرجع شفيق محاولة التقرب المستميتة من جانب الإخوان مع الإدارة الأميركية بسبب الضغوط الكبيرة التي يواجهها التنظيم، بعد التضييق التركي والأوروبي عليه، مشيراً إلى أن الإدارة الأميركية لا تغفل عن متابعة كل الأوراق في الشرق الأوسط، لكن اهتماماتها ستكون متباعدة جدا، لأن جماعة الإخوان لا تأتي على رأس أولويات أجندة عمل الولايات المتحدة في المنطقة، ويتقدم عليها بشكل كبير ملفات التقاطع الصيني والروسي مع المصالح الأميركية في المنطقة.
ويتوقع شفيق أنه لن يحدث تعاون كبير بين الإخوان والإدارة الأميركية، وأن هذا التعاون، إذا حدث، لن يتبعه محاولة ضغط عنيفة على مصر بسبب الاحتياج الأميركي لمصر لمواجهة الحضور الروسي والصيني في الشرق الأوسط.
وحول قنوات التواصل يقول شفيق إن عددا كبيرا من قيادات الإخوان متواجدين في الولايات المتحدة وعلى علاقة بجمعيات الدعاية التي تتواصل مع الحزب الديمقراطي بشكل أساسي، وتعمل على تمرير أوراق سياسية تتفق مع أهداف الجماعة، لكن أغلب دوائر صنع القرار الأميركي عادة لا تعتمد على مثل هذه التقارير، لكنها تستند على النشاط المؤسسي إلى حد كبير.
ويرى شفيق أنه في كل ما يمكن تصوره عن التعاون المزمع بين الإدارة الأميركية الجديدة وجماعة الإخوان، لا ينبغي تجاهل تقاسم الكونغرس بين حزبين، الجمهوري والديمقراطي، والحزب الجمهوري لن يسمح بتمرير أوراق الضغط ضد الإدارة المصرية.