تُعتبر المصالحة الوطنية أبرز ملفات وتحديات السلطة الجديدة في ليبيا، لا سيما وأنها تعد ركيزة بناء الدولة بعد الانتخابات العامة المقررة في ديسمبر المقبل.
ويرى محللون أن المصالحة الوطنية تعتبر "أكبر عقبات السلطة الليبية الجديدة"، خصوصا فيما يتعلق بالميليشيات التي تستفيد من بقاء البلاد منقسمة، تحقيقا لمصالحها و"الجهات الأجنبية" التي تدعمها.
ويؤكد المحلل السياسي الليبي عز الدين عقيل، أن "المصالحة التي تناسب الليبيين هي نزع سلاح وتفكيك الميليشيات، وإعادة هيكلة المؤسستين الأمنية والعسكرية، بما يمكن الدولة من امتلاك السلاح حصرا واستعادة منظومة الأمن القومي، ثم ترك الليبيين يتجهون إلى القضاء لإنصاف كل من له مظلمة".
ويقول عقيل في حديثه إلى موقع "سكاي نيوز عربية": "إن الشعب الليبي لا يحتاج إلى مصالحة وطنية إلا ضمن حالات ضيقة جدا ومحدودة كما وكيفا، يمكن معالجتها بسهولة ويسر، أما ما ينتظروه فعلا ويرفضه الغرب بشدة هو نزع سلاح وتفكيك الميليشيات".
وفي هذا السياق، يرى أن إنشاء منظومة للمصالحة الوطنية يكون في الدول التي شهدت حروبا أهلية قائمة على نزاعات طائفية وإثنية، وهو ما لا ينطبق على النزاع المسلح الليبي، "الذي لم تخلقه المتناقضات المحلية، بل أذكته أياد خارجية".
ويتابع: "لذا فلا وجود لامتدادات اجتماعية أو طائفية للميليشيات في ليبيا، ولا جذور لها، وعليه يطالب المواطنون والمجتمعات المحلية بإنهائها."
وهنا يستشعر المحلل السياسي وجود ضغط "غير مسبوق" من أطراف غربية على السلطة الليبية الجديدة، لتحقيق "المصالحة الوطنية" في ظل غياب النفوذ الحكومي بسبب "انتشار السلاح المارق والجماعات المسلحة، ووجود مدن وقبائل مدججة بالسلاح وأخرى عزلاء، وجماعات تقيم دويلات تأخذ فيها المواطنين رهائن، وتستخدمهم لابتزاز الدولة".
وتساءل: "كيف يمكن تحقيق المصالحة الوطنية الليبية في ظل هذه الظروف؟.. تُسئل عن هذا حكومات الدول الغربية والأمم المتحدة".
وشهدت مدينة الزاوية، الأربعاء الماضي، الإفراج عن 120 من عناصر الكتيبة 107 التابعة للجيش الوطني الليبي، فيما وصف حينها أنه "مبادرة لتحقيق المصالحة".
ضغوط أممية
وأكدت مصادر ليبية مطلعة لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذه المبادرة تمت بضغط مباشر من بعثة الأمم المتحدة للدعم لدى ليبيا، التي وجهت تحذيرا إلى الميليشيات المتحكمة في المدينة الواقعة غربي البلاد، من أجل إتمام الأمر".
وأوضحت أن الفريق الأمني التابع للبعثة، أرسل عدة سيارات تحمل شعار المنظمة الأممية، لنقل المفرج عنهم، مع التخوفات من عدم إيفاء الميليشيات بتعهداتها في هذا السياق.
وأشارت المصادر إلى أن المرحلة المقبلة "ستشهد تغييرا في التعاطي مع المجموعات المسلحة، خصوصا وأن رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة، وعد بشكل واضح خلال زيارته الأخيرة إلى إيطاليا بأن يعمل على ملف حل ودمج الميليشيات".
من جانبه، يرى المحلل السياسي الليبي، أحمد العبود، أنه "من الجيد الحديث عن المصالحة وأدبياتها ومعاييرها واشتراطاتها، بل المطلوب أن تظل القضية الأبرز التي تشغل الأمة ومثقفيها، وتكون حاضرة في وعيهم وضميرهم ووعيهم المجتمعي".
لكن الأمر يجب أن يأتي ضمن مجموعة من التفاهمات، كما يوضح العبود، مشيرا إلى أهمية تحقيق "عدالة توزيع الثروة والتنمية المستدامة".
ويتابع: "يمكن الاستناد إلى موروث ليبيا الحضاري في إنتاج نموذجها الخاص بالمصالحة والانفتاح عليه، وتجاوز الأخطاء التي وقعت فيها البلاد منذ عام 2011".